درب الجبل اللبناني
»جبلنا بدمنا ترابه جبلنا، ورح نبقى هون ما منترك جبلنا، تراب الأرض أغلى من الذهب«!
هل ما زال اللبنانيّ يتغنّى بجبله وهل حافظ عليه كما ورثه من أجداده، أم تآكله الطمع والجشع فقطع أشجاره وأحرق غاباته واقتلع صخوره واجتثّ رماله وشوّهه حتّى أصبحت البشاعة عنوانه، أو بكلّ بساطة هجره إلى صخب المدينة وإغرائها.
ما أحوجنا اليوم إلى العودة إلى لبنان العتيق الذي تعشّش في سمائه الطيور، وتترقرق مياهه العذبة في سواقيه، وتتلألأ أشجاره كالزمرّد في غاباته النضرة. هل يعرف أطفالنا أنواع الطيور والأشجار أم يرونها فقط في الكتب. وهل يعرف اللبنانيّون من الغابات سوى شيّ اللحوم ورمي النفايات.
فعلاً ما أحوجنا اليوم إلى تربية بيئيّة تعيد إلى نفسنا العطشى حبّ الطبيعة التي خلقها لنا اللَّه لنتمتّع بها ونحافظ عليها فهي صنيعة يديه.
المثل اللبنانيّ يقول »إذا خليت خربت«، والحمد للَّه لم يخل الجبل في لبنان ممّن يحبّه ويقدّر بيئته وجماله وروعة مناظره وطيبة أهله. فهناك أناس ما زالوا يتحلّون بقيم بيئيّة وجماليّة ويسعون إلى الحفاظ عليها. من هؤلاء جمعيّة درب الجبل اللبنانيّ التي أسّّسها بتاريخ 31 تشرين الأوّل 2007، بموجب علم وخبر 234/أد، ناشطون في العمل البيئيّ ومحبّو رياضة المشيّ في الهواء الطلق المنعش. تبعوا الدرب الذي رسمه أجدادنا وسمّوه قديمًا »طريق إجر« وساروا عليه قرونًا من الزمن على ظهور البغال والجياد. ويمتدّ هذا الدرب من أقصى الجنوب من مرجعيون إلى أقصى الشمال إلى عندقيت في عكّار، مرورًا بـ 75 بلدة وقرية ويبلغ طول الدرب 470 كلم على ارتفاع يتراوح من 600 م حتّى 1800م عن سطح البحر.
تتشكّل الهيئة الإداريّة من اثني عشر عضوًا، ينتخب أحدهم رئيسًا لها. تعنى جمعيّة درب الجبل بالسياحة البيئيّة وشاركت في معارض عدّة للتعريف بالسياحة البيئيّة في لبنان. وطرح موضوع درب الجبل في الامتحانات الرسميّة في المرحلة المتوسّّطة باللغة الإنكليزيّة.
كما تنظّم الجمعيّة في شهر نيسان من كلّ سنة، رحلة مشي Thru-Walk على الدرب لمدّة 28 يومًا ويبلغ عدد المشتركين نحو 250 شخصًا من لبنانيّين وعرب وأجانب.
وفي مقابلة أجرتها مجلّة النور مع السيّد سامي متري أحد المسؤولين عن هذه الجمعيّة، علمنا أنّ الطرقات الجبليّة كثيرة في لبنان، وقد اعتمدت الجمعيّة هذا الدرب وتسعى إلى جعله محميّة، وتبعد عنه المرامل والكسّارات والإسفلت وأيّة تعدّيات أخرى، عبر قوانين رسميّة جدّيّة. كما تنظّم حملات توعية في المدارس وتتشارك مع البلديّات والمجلس النيابيّ والقضاء بهدف تنفيذ أهدافها التالية:
المحافظة على البيئة أوّلاً.
الحفاظ على درب الجبل (محميّة)
تدريب الأدلاّء Local Guide
تطوير بيوت الضيافة وزيادة عددها.
إدراج مشروع درب الجبل في المناهج التربويّة المعتمدة في لبنان.
إشراك بعض المؤسّّسات أو المنظّمات المانحة لدعم الجمعيّة.
والجدير بالذكر أنّ الجمعيّة بالتعاون مع سكّان البلدات والقرى التي يعبرها الدرب، أسّّست بيوت ضيافة يستطيع العابرون النزول فيها وتذوّق الأطعمة والمأكولات المحلّيّة الشهيّة. كما تدرّب في كلّ قرية دليلاً بيئيًّا سياحيًّا أو أكثر يرافق العابرين. وهذه خطوة مشهود لها تفتح فرص عمل في القرى وتثبّت الناس في ضيعهم وتربطهم بتراثهم.
ووفق ما قاله لنا السيّد سامي متري تهتمّ الجمعيّة أيضًا بالحفاظ على الينابيع الطبيعيّة الموجودة على طول الدرب فتفحص مياهها مرّات عدّة لتتأكّد من سلامتها.
بوركت هذه الجمعيّة وبورك أعضاؤها وكلّ من يزرع شجرة أو يروي نبتة. ربّي قد خلقت كلّ شيء حسنًا لكنّ الإنسان كفر بهذه العطايا فاغفر له خطيئته التي اجترمها بحقّ خليقتك وأعده إلى صوابه وأبعد عنه كلّ طمع وكلّ استغلال.l