دير القدّيس غريغوريوس بالاماس
كوفاليا - اليونان
لولو صيبعة
الطريق إلى دير كوفاليا طويل والمحطّات متعدّدة، لكن الوعد بالهدوء يدغدغ القلب. نحو أربعين كيلومترًا تفصل مدينة تسالونيكي عن منطقة كوفاليا حيث يرتفع دير القدّيس غريغوريوس بالاماس.
واحة غنّاء تستظلّ بفيئها النفوس التائهة في وسط صحراء جافّة. ألم أعد بالهدوء؟ نعم عزيزي القارئ، ما إن تلج عتبة هذا الدير حتّى ينتابك فجأة شعور غريب، أنت في عالم آخر ينسيك مشقّة السفر وتعب الأيّام وهموم الحياة. تستقبلك راهبات ألفن عشرة يسوع المسيح فما بقي شيء يعكّر صفوهنّ.
الوقت غروب والصلاة واجبة في كنيسة الدير تؤمّها الرئيسة كسيني. خشوع ورهبة في كنيسة القدّيس غريغوريوس بالاماس، لا أضواء باهرة ولا أصوات صارخة، بل شموع خافتة وصلاة من القلب.
لمحة تاريخيّة
العام ١٩٧٨ حوّل المنطقة من صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا كهرباء ولا طريق إلى مقرّ راحة، وذلك بفعل إصرار الأرشمندريت يوانيكيوس، من دير التجلّي في منطقة سوخو التابع لأبرشيّة إديسا، وأربع راهبات، الذي انتهى إلى بناء الدير بمساعدة القدّيس غريغوريوس، رغم الصعوبات المادّيّة الكثيرة. واكتمل بناء الغرف والمائدة والمشاغل والمضيف.
وفي تشرين الأوّل من العام ١٩٨٠، دشّن مطران إديسا المباني الجديدة. وبعد سنتين جرى تنصيب أوّل رئيسة للدير.
وفي أيلول ١٩٨٢، وضع حجر أساس الكنيسة الرئيسة على اسم القدّىس غريغوريوس وآباء الجبل المقدّس، وفي كانون الأوّل ١٩٩٥ تكرّست الكنيسة بمشاركة كثيفة من سكّان المنطقة.
هندسة الدير
اللافت في دير كوفاليا أنّ الراهبات هنّ من صمّم الأعمال الخشبيّة، ورصف البلاط والفسيفساء وزرع الأشجار والأزهار، والأبنية كلّها تحاكي نمط أديرة جبل آثوس.
يقسم الدير إلى جناحين:
١- الأوّل مخصّص للزوّار ويتألّف من الكنيسة الرئيسة والجرسيّة والمضيف والباحة وغرف الزوّار.
٢- الثاني خاصّ بالراهبات، ويشمل غرفهنّ والمشاغل والمكتبة والمطبخ والمائدة وكنيسة صغيرة وباحة.
هناك أيضًا كنائس على أسماء القدّيسين: قسطنطين وهيلانة، إسحق السوريّ، ثيوفانوس، والمطوّبة كسيني والملاك الحارس وعلى عيد دخول السيّدة إلى الهيكل.
الحياة الديريّة
اليوم أصبح عدد الراهبات ٣١، يتبعن جميعهنّ التيبيكون الآثوسيّ. يبدأ نهارهنّ عند الرابعة صباحًا بالصلاة حتّى الساعة السادسة. ونمضي كلّ راهبة ساعتين في قلاّيتها تخصّصها للمطالعة والراحة حتّى الساعة الثامنة، حين يبدأ العمل.
عند الساعة العاشرة تقام صلاة الباراكليسي ما عدا السبت والأحد. الغداء عند الظهيرة. وعند الرابعة صلاة الغروب ثمّ العشاء فصلاة النوم.
للدير عيدان الأوّل في ١٤ تشرين الثاني حيث يحتفل برقاد القدّيس غريغوريوس بالاماس. والعيد الثاني في الأحد الثاني من الصوم الكبير. ويقام القدّاس الإلهيّ في أعياد القدّيسين الذين كرّست على اسمهم الكنائس الصغيرة في الدير.
الزوّار كثر، غالبيّتهم من الشبيبة التي تأتي للرياضات الروحيّة والإرشاد.
تعيش الراهبات من عملهنّ اليدويّ الذي يتضمّن رسم الأيقونات وخياطة الثياب الكهنوتيّة والتطريز والرسم على القماش، وصنع النبيذ والصابون والشمع إضافة إلى تربية النحل وإنتاج العسل.
كما تصدر عن الدير كتب روحيّة وترجمات.
تغادر الدير وفي قلبك سكينة تعبق بأريج الزهور. تكفيك زيارة واحدة إلى دير القدّيس غريغوريوس بالاماس في كوفاليا حتّى تعود أدراجك مرّة بعد مرّة، لتستقي من هذا النبع الهادئ الذي لا ينضب.l