كولسيوم روما: عرس الدمّ
جان توما
من وحي الصليب المرفوع عند مدخل كولسيوم روما.
... والقيصرُ يبتسمُ
في عينيه بريقُ الانتصارْ
وفي أعينِ الضعفاءِ
ذاك هو بريقُ الانكسارْ.
ضجيج الأنينِ يملأُ الرحابْ:
قلوبٌ واجمةٌ
ركبٌ ساجدةٌ
أيدٍ تمتدُّ كسيولِ المطرْ
من قلبِ السحابْ.
... والقيصرُ يبتسمُ
أمامَ خرافٍ تُساقُ للذبحِ
ولا تعرفُ سببَ موتِها!
ألإيمانِها؟
ألسكُنى اللَّهِ في أفئدتِها؟
أم لأنّها ليست على دينِ ملوكِها؟
... والقيصرُ يبتسمُ
لأمٍّ تحضُنُ رضيعَها
قبل أن تنَهْشَهُ أنيابُ الأسودْ.
ضاعت أمّي بين حمايتي
وبين ما في معصميها من قيودْ
تحرّرت أمّي وحرّرتني
وعلى وجهِ الإلهِ
رضًى يرتسمُ
فيما القيصرُ
يظنّ أنّه يبتسمُ.
...أيّ ترابٍ هذا المرميّ في أرضِ الملعبِ؟
لا بيدرَ يشبههُ
لا طاحونَ
لا يشبهُ أيّ مكانٍ
لكأنّه خارج الأزمان
والأكوانِ
بل لعلّهُ هو الزمانُ
والمكان.õ
هنا استنار كثيرونَ
لطمًا
دوسًًا
نهشًا
هنا صارَ القيصرُ وحشًا
تنّينًا
هنا تسمع ألمًا ووجعًا
وأنينًا
هنا يظنُّ القيصرُ نفسَه إلهًا
والآخرين بشرًا
حجرًا
يقرّر مصائرَهم بإبهامِهِ
حَسْبَ أحلامِهِ
وعُقََدِهِ
يعدُّ القيصرُ ضحاياه
وينسى عددَ أيّامِهِ.
... والقيصرُ يبتسمُ
لتحيّاتِ جمهورِهِ
لأدعية حاشيته.
لا يرى في وجوهِ البائسينَ
إلاّ تسليةَ الفرحينَ
كلّما علا الصراخُ باسمِهِ
أكثرَ من عددِ الموتى
ملبّيًا طموحَ المستأسَدينَ
لم يبقَ الأسدُ في الملعبِ
بل بينَ صفوفِ المشاهدينَ
كلّما نهشَتْ أنيابُ الأسدِ لحمًا بريئًا
استَمْتَعتْ بالطعمِ أفواهُ الجائعينْ
المصفّقينْ
الفرحِينْ
كم أطالَتِ الآلهةُ بعمرِ الحاكمينْ
منذ بدأَ عرسُ الدمِ
لإخمادِ ظمأ الآلهةِ
وغضبِ التِنّينْ.
... والقيصرُ يبتسمُ
ولقانونِ الغابِ يحتكمُ
عندَهُ البشرُ دمى
يقرّرُ السلطانُ مصيرَها:
لكبيرِها ولصغيرِها
سلطانُهُ من فوقْ
من حيثُ يأتي الناسْ
بيدِهِ اليسرى الكأسْ
وبيدِهِ اليمنى
مصيرُ كلِّ نفسْ.
لا اعتبارَ
للحبّ للحقيقةْ
وحدَهُ القيصرُ
يشعرُ، يعرفُ
ينشدُ شعرًا
يرسُمُ لوحةً
ويعزِفُ.
وحدَه القيصرُ
يُحْرِقُ روما والجوارْ
يقتل الأبرياءْ
بالحديد والنارْ
مغفورة خطاياه
لأنّه ابنُ السماءْ
وهو إلهٌ بارْ
فيه الناسُ ترضى وتختصمُ
والقيصرُ دائمًا... يبتسمُ.l
روما ٢٩ تمّوز 2012