2012

05 - أخلاقيّات: الانتصار على القلق: بدء السعادة - د. ناظم باسيل – العدد السادس سنة 2012

الانتصار على القلق بدء السعادة

د. ناظم باسيل

 

 

أضحى القلق مرض العصر بامتياز، إذ يحيا إنسان اليوم في بوتقة الخوف، ويملك عليه قلقٌ كبيرٌ بشأن المستقبل والتجارب الجديدة والنجاح والفشل والموت... ما هو القلق بدءًا؟ وما هي عوارضه المرضيّة؟

بالمعنى المتعارف عليه أساسًًا، يتمحور القلق حول الشعور الداخليّ للإنسان بالخوف وعدم الراحة والهمّ والتوتّر. أمّا القلق المرضيّ بمعناه العلميّ، فيتمّ تشخيصه بعد ستّة أشهر على أقلّ تقدير من الشعور المفرط بعدم الراحة والهمّ والتوتّر المفرط بشأن حوادث ومواقف عدّة بحيث تكون هناك صعوبة في التحكّم في هذا الشعور، هذا مع الإشارة إلى أنّ مسبّبات القلق قد تكون واقعية أو خياليّة على السواء.

لوضع الأمور في نصابها وتفادي الالتباس، يجب التمييز بين القلق الطبيعيّ والقلق المرضيّ، فالقلق الطبيعيّ يتناسب في حدّته مع الخطر كـالقلق وقت الامتحان أو المرض، وهو لا يعوّق التكيّف مع المجتمع أو مع الأحداث، كما يمكن مواجهته وتخفيف حدّته. فالقلق الطبيعيّ يهدف إلى أن يظهر الحبّ كقلق الأمّ على أولادها ضمن الحدود الطبيعيّة، ويصحّ الأمر في حالة الابن الشاطر الذي رآه أبوه وهو بعيد ما يعني أنّه كان ينتظره بقلق. كما أنّه يهدف إلى سرعة التفكير والتصرّف والحركة كردّ فعل ويحثّ الإنسان على البحث والابتكار. أمّا القلق المرضيّ، فهو عكس ما قيل سابقًا بمعنى أنّه لا يتناسب في حدّته مع الخطر، ويعوّق التكيّف مع المجتمع، ولا يمكن السيطرة عليه. وما يهمّنا هنا هو القلق المرضيّ.

لا بدّ أيضًا من التمييز بين مفهومي القلق anxiety والاكتئاب depression. وهذا الأخير يتجلّى، عادةً، في الحزن المفرط، وعدم الرغبة في الاستمتاع بمتع الحياة، والرغبة في الموت والشعور بالذنب والاختلال في التركيز والنوم والأكل، فالقلق هو عامل مساعد على الاكتئاب كما أنّهما قد يترافقان في حالة مرضيّة واحدة، أضف إلى ذلك أنّ بعض العوارض المشتركة لكلّ من الحالتين قد تتشابه إلى حدّ بعيد (كعدم النشاط وقلّة التركيز).

ما هو تأثير القلق المرضيّ؟

 إنّ الجسد والنفس والروح كيان واحد، لذا فإنّ كلّ خلل يطال أحد هذه الأركان يؤثّر مباشرة في الركنين الآخرين. عليه، فإنّ القلق يفعل سلبًا في النفس والجسد والروح، أي في الإنسان واحدًا.

الأمراض الجسديّة التي قد تنتج من القلق: خفقان القلب وسرعة ضرباته، صعوبة التنفّس، فقدان الشهيّة، الإمساك أو الإسهال، الصداع،  الأرق وأحيانًا كثرة النوم، رنين الأذن، أوجاع البطن وغيرها... وإذا استمرّ القلق لفترة طويلة نسبيًّا قد تتحوّل هذه العوارض إلى أمراض مزمنة، كقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدمّ والقولون العصبيّ، وعلاج هذه الأمراض يبدأ وينتهي بعلاج التوتّر القلق الذي يسبّبها.

الآثار النفسيّة: قلّة التركيز في العمل، عدم الابتكار والإنتاجيّة، سرعة النسيان، الرغبة في الانعزال وتجنّب الآخرين، قضم الأظافر وكثرة الحركة... كثيرًا ما يدرج مرضى القلق على استعمال الأساليب والحيل الدفاعيّة لتخفيف القلق، كإنكار القلق أمام الآخرين وإلقاء اللوم عليهم تجنّبًا لفحص النفس واكتشاف أخطائها، أو الهروب من القلق بكثرة النوم ومشاهدة التلفزيون، أو الإدمان بصوره المتعدّدة، أو كثرة التردّد على الأطبّاء أو على المرشدين الروحيّين بحثًا عن اهتمامهم وعطفهم ورثائهم وليس عن حلّ للمشكلة. وهذه الحيل والأساليب تحتاج إلى من يكتشفها ويواجهها، لأنّها تزيد من حدّة المشكلة، وتضعف الشخصيّة، وتقلّل من إنتاجيّتها وقدرتها على التقدّم.

أمّا الآثار الروحيّة: فقد تكون مضادّة تمامًا إذ يمكن للقلق أن يحرّك الإنسان دافعًا إيّاه إلى طلب معونة اللَّه والرجوع بالتوبة والصراخ إليه من عمق الظلمة كما صرخ داود »ارحمني، يا ربّ، لأنّي ضعيف، ونفسي قد ارتاعت جدًّا«. وقد يدفع القلق الإنسان إلى البحث عن المساعدة والإرشاد الروحيّ. ولكن على النقيض من ذلك يمكن أن يدفع القلق الإنسان إلى الابتعاد عن اللَّه بسبب ضغط الحرب الروحيّة واشتداد مشاعر اليأس والفشل، وقلّة الخبرة وغياب الإرشاد الروحيّ ما يؤدّي بالإنسان إلى إهمال الصلاة، وربّما إلى التمرّد على اللَّه بحجّة أنّ اللَّه لا يحلّ المشاكل. وهذا البعد يدفع بالإنسان إلى المزيد من القلق، فيسير من سيّئ إلى أسوأ.

ما هي أسباب القلق؟

الأسباب الوراثيّة

الأسباب الأسريّة (التربية والمحيط المتوتّر، عدم تشجيع الطفل، الإفراط في العقاب، قلّة المحبّة والاهتمام والعطـف... كلّها أسباب ثؤثّر سلبًا في نفسيّة الطفل، وتخلق لديه قلقًا على المدى الطويل وإلى ما بعد سنّ البلوغ).

الأسباب الناتجة من الأحداث والحروب الماضية وهي تظلّ عالقة في الذهن وتسبّب قلقًا مزمنًا.

 الأسباب التي مصدرها الظروف المهدّدة للإنسان كالخطر والمرض والحرب والجرائم والصدمات. ويختلف الشعور بالقلق من إنسان إلى إنسان.

الانفصال عن الآخرين (موت، هجرة، سفر...).

الخوف من الفشل أو المستقبل أو الرفض الاجتماعيّ أو الموت أو الوحدة، الشعور بالنقص أو الذنب.

الاحتياجات غير المشبعة ونقص الاحتياجات الأساسيّة للإنسان ( المآكل والمشرب، الجنس، الأمان الاقتصاديّ والعاطفيّ، القيمة والنفع والتقدير واحتياج الناس وتحقيق الذات...).

الأسباب البيولوجيّة: سوء التغذية وفقر الدم والضعف وعدم النوم...

لا بدّ من لفت النظر إلى أنّ الأشخاص المثاليّين perfectionist، وهم أولئك الذين يصبون إلى فعل  الأمور كافّة بصورة مثاليّة، لديهم توقّعات عالية من أنفسهم، ويركّزون على السلبيّات الصغيرة بدل الإيجابيّات، لذلك هم عرضة للقلق أكثر من غيرهم لكونهم لا يقبلون بضعفاتهم وبمحدوديّة قدراتهم. وتتضمّن هذه الفئة شريحة كبيرة من المجتمع من التلاميذ والممتهنين مرورًا بربّات البيوت والحرفيّين، وغيرهم ممّن يسعون للتفوّق وإتقان ما يفعلونه إلى المنتهى. لذا، كان لا بدّ لهذه الفئة من أن تبادر إلى قبول ضعفاتها البشريّة وعدم كمال شخصيّتها وإنجازاتها البشريّة بإتّضاع كامل وشافٍ، وبأن تسعى بالمقابل إلى عدم تعظيم الأمور، والتيقّن بأنّ »الرحلة أهمّ من المقصد« وبأنّ لا كمال تحت الشمس!...

القلق هو عادة: القلق عادة نكتسبها في أثناء نموّنا أو من محيطنا، لذا إن كسرنا هذه العادة نتخلّص من القلق. أظهرت الدراسات أنّ ما نسبته 90٪ من القلق يتعلّق بأحداث مستقبليّة، فيما فقط 10٪ منه يتعلّق بأسباب راهنة، وأن 92٪ من أحداث القلق لا تتحقّق أبدًا! لذلك، عندما نقلق ندفع ثمنًا باهظًا لما لن يحصل أبدًا على الأرجح! الانتصار على القلق هو بدء السعادة، فكيف نتغلّب على القلق؟

من الناحية الفكريّة والعمليّة:

إبحث في نفسك عن جذور القلق: كلّ مرّة تشعر فيها بالقلق يجب أن تتحرّى في داخلك عن أسباب ذلك، يجب أن تحدّد مشكلتك الراهنة وأن تصغي إلى همومك بأسرع وقت ممكن قبل أن تستغرق فيها. من ثمّ يجب أن تتعامل مع المشكلة المسبّبة للقلق بصورة مباشرة وسريعة، لأنّ كثرة التفكير فيها لن تحلّ الأمور، بل تعقدها. هذا لأنّ الاستغراق في التفكير في المشكلة يقلق النفس أكثر من المشكلة بحدّ ذاتها!

حلّ المشكلة فورًا أو ضع على الاقلّ خطّة لحلّها:

روّح عن نفسك، ومارس هواياتك. تنفّس بعمق، تأمّل وصلّ، مارس الرياضات التي تحبّها.

اكتب يوميًّا ما يزعجك ويقلقك بالتفصيل، وبالمقابل لا تنس أنّ تعدّد إيجابيّات حياتك وحسناتها. هذا من شأنه أن يعزّز التفاؤل ويسلّط الضوء على النواحي الإيجابيّة من الحياة.

تخيّل صديقًا يستشيرك في المسألة عينها التي تقلقك، وحاول أن تعطيه جوابًا.

الانتصار على القلق يبدأ من الفكر: معركة القلق تقع في مساحة الفكر التي لا تنتهي. لذا الانتصار على القلق يبدأ من الفكر. فإذا استطاع الفكر أن يبقى في سلام، فهو يهزم القلق فما نحن إلاّ محصلة لما نفكّر به. والقلق على هذا المستوى ما هو إلاّ مجرّد عادة اكتسبناها ويمكننا استبدالها بأخرى متى شئنا وذلك باستبدال فكر إيجابيّ وسلاميّ بأفكار القلق .

أعد برمجة تفكيرك: إسأل نفسك ثلاثة أسئلة: ما هو الدليل على أنّ أفكاري المقلقة صحيحة وسوف تتحقّق؟ هل هناك من احتمال آخر؟ هل الحالة بالسوء الذي أتخيّله؟... في معظم الأحيان، بعد أن نجيب عن هذه الأسئـلة الثلاثـة، يتّضـح لنـا أنّ لا سـبب حقيقيّ للقلق، بل أنّ الأمر لا يعدو كونه مجرّد خلل في التفكير نتيجة تعظيم الأمـور وإغفــال إيجابـيّات حياتنا والقفز إلى نتائج متسرّعة، وأخذ القرارات بالاستناد إلى المشاعر والأحاسيس، والالتزام بقواعد ثابتة غير مرنة (يجب أن أنجـح بتفـوّق في كـلّ مـرّة، يجب أن يكون بيتي نظيفًا تمامًا في كلّ يوم، يجب ألاّ أفشل في أيّ عمل...)، وأخذ الأمور بشكل شخصيّ ومقابلة أنفسنا بالآخرين ونعت أنفسنا بصفات سيّئة والتحجّج بعدم قدرتنا على تغيير أنفسنا...

من الناحية النفسيّة:

قبول الذات: إقبل نفسك بما فيها من مشاكل، وكن شاكرًا. فرفض الإنسان لنفسه يمكن أن يؤدّي إلى صراعات نفسيّة. لا يعني ذلك أن يتفاخر الإنسان بنفسه ويتكبّر، بل يعني الاستناد على نعمة اللَّه لتطوير الطاقات التي تختزنها نفس كلّ إنسان. فإذا اكتفيت بالحزن والرثاء على نفسك والتبرّم منها، فقد بدأت بالرفض الذاتيّ الذي سيؤدّي إلى مزيد من القلق، ويضاف إلى ذلك خبرات الطفولة المؤلمة من انتقاد الوالدين وقسوتهم ورفضهم، ما يؤدّي إلى الانطواء والحزن وفقدان الثقة بالنفس.

كن واقعيًّا مع نفسك ومع الآخرين: تأكّد أنّ بعض الأمور لن تُحلّ أبدًا وأنّ الدنيا ستبقى بخير رغم  ذلك! من جهة أخرى، تعلّم أن تبدأ من القليل، فالأمر البسيط الذي يتحقّق هو أفضل بمكان من الأمنيّات الكبيرة التي قد لا تتحقّق. إقبل من حولك ولا تطالبهم بأكثر من إمكانيّاتهم مقدّرًا ظروفهم وعمرهم وخبراتهم. النفس الناضجة هي تلك التي تستطيع أن تتعامل مع الآخرين رغم اختلافهم وهي التي تستوعب هدف الاختلاف. فوجود الآخر يعني أنّني لا أتطابق معه. فالمحبّة ضرورة حياتيّة، والحبّ يقتضي أن أقبل الآخر رغم اختلافه. ومن هنا، إنّ عـدم قبول الآخرين هو النار المتأجّجة في القلب التي تقلق راحتك، وتنقلب عليك أهوالاً وهمًّا، وتزيدك قلقًا ومـرضًا. بادر إلى الحبّ لأنّه ضروريّ لحياتك ونضوجك.

ابتعد عن الكسل: إشغل نفسك بما ينفع، ولا تترك لها وقتًا فارغًا للقلق:

استخدم الأحزان، لتتقدّم في حياتك: استفد من النقص الذي فيك، لتحوّله إلى مجالات جديدة (تشير الإحصاءات مثلاً إلى أنّ أكثريّة الفتيات غير الفاتنات جسديًّا مثلاً يبرعن في العمل والمجتمع، كثير من ذوي الحاجات الخاصّة ينمّون مواهبهم، ويلمعون في المجتمع).

من الناحية الروحيّة:

غالبًا ما يعبّر القلق عن اختلال في إيمان المريض بعناية اللَّه والتسليم لتدبيره ومحبّته »انظروا إلى طيور السماء، فإنّها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماويّ يقوتها. أولستم أنتم بالحري أفضل منها... من منكم إذا اهتمّ، يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة... فلا تهتمّوا للغدّ لأنّ الغدّ يهتمّ بما لنفسه...« (متّى ٦: ٢٥- ٣٤). »تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم...« (متّى ١١: ٢٨).

إنّ الرجوع إلى اللَّه هو أوّل خطوة من خطوات التعافي للمريض المؤمن ذلك بأنّ خبرة الحياة الروحيّة تعلّمنا أنّ البحث عن أيّ مصدر للسلام والفرح غير المسيح هو وقت ضائع. فعندما تضطرب علاقتك باللَّه، تضطرب علاقتك بنفسك. نذكر، في هذا الإطار، أنّ بعض الآباء قد لحظوا أنّ القلق مرتبط روحيًّا بـ»التعلّق بالعالم«. ومن هنا، فالتعـلّق الزائد بالهمـوم العالـميّة على أشكالـها يؤجّـج القلق في النفس، ويزيد في تقلقلها استعارًا. بمقابل ذلك، يقول القدّيس بولس »لا تهتمّوا بشيء، بل في كلّ شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلم طلباتكم لدى اللَّه« (فيليبّي ٤: ٦).

أرفض الشعور بالنقص: لا تنظر إلى نفسك كما قد ينظر إليك الآخرون، بل كما ينظر المسيح إليك. فأنت جزء من جسد المسيح، وأنت بالذات محبوبه. ثقّ بأنّ كلّ شيء مستطاع للذي يؤمن. إنّ كلّ أبطال الإيمان ابتدأوا من ضعفٍ، واستندوا إلى النعمة التي أكملت نقائصهم (كبولس الرسول الذي قال »لذلك أسرّ بالضعفات«...). أذكر دومًا أنّ اللَّه يبدأ حيثما تنتهي أنت »لأنّي حينما أنا ضعيف، فحينئذٍ أنا قويّ«.

إسمح لفكر المسيح بأن يحلّ فيك ويشفيك (مثلاً بدلاً من أن تقول إنّ اليوم سيّئ وأنا بائس ولن أستطيع أن أعمل شيئًا، فرّغ فكرك من هذا، واملأ عقلك بفكر إيجابيّ آخر: »أنا قويّ بالمسيح الذي يقوّيني« فيليبّي ١٣: ٤ أو »الربّ نوري ومخلّصي ممّن أخاف« مزمور ٢٧: ١، »الربّ يرعـاني فلا يعوزني شيء... حتّى ولو مشيت في وادي ظـلّ المـوت فلا أخـاف سـوءًا لأنّك معـي« مزمور 23، »كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبّون اللَّه« رومية ٨: ٢٨، »ملقين كلّ همّكم عليه لأنّه هو يعتني بكم« 1بطرس ٥: ٧، »كثيرة هي أحزان الصدّيقين ومن جميعها ينجّيهم الربّ« مزمور 33. ذكّر نفسك باستمرار بهذه الأقوال الشافية.

انتبه ألاّ تعبّر عن نفسك بتعابير سلبيّة ( أنا تعيس الحظّ، حياتي لا معنى لها...). تذكّر أنّ فعل الإيمان يقتضي أن يستعين المؤمن بمعونة اللَّه ولا يتّكل فقط على جهده وقوّته الشخصيّة، ويستجير بالصلاة لدى هجوم الأفكار المقلقة.

إقبل نفسك كما يقبلك اللَّه نفسه: تذكّر أنّ اللَّه يحبّك كما أنت، وقبوله لك هو المحرّك الأساس لتغييرك، فاقبل نفسك كما قبلك اللَّه! أنت عزيز في عينيه! فلا تحتقر نفسك ولا تحزن على نفسك، واعلم أنّ ضعفك لا يعوّق اللَّه عن التعامل معك واستخدامك وتقويتك. وأكثر من ذلك، محدوديّاتك هي التي تفتح الطريق أمام إمكانيّة اللَّه أن يصلح ما في نفسك، فقط إن أنت أردت. »قوّتي في الضعف تكمل«، فلا يوجد شيء، تضعه في يدي اللَّه، لا يمكن إصلاحه.

يبقى أنّ الحلّ في ألاّ يثق المؤمن بقدراته الذاتيّة في شفاء نفسه، إذ لا بدّ له بالمقابل من أن يلقي رجاءه ويعزّز ثقته باللَّه وبعنايته (»تواضعوا تحت يد اللَّه القويّة لكي يرفعكم في حينه ملقين كلّ همكم عليه لأنّه يعتني بكم« بطرس١: ٥- ٦)

متى تجب استشارة الطبيب المختصّ؟

معظم أسباب المشاكل النفسيّة، ومنها القلق، معقّدة ومتشعّبة الأسباب، من هنا أهمّيّة الجمع بين أنواع عدّة من العلاجات:

- العلاج النفسيّ الكلاميّ لكونه يصحّح الأفكار الخاطئة لدى المريض، ويقوّم نمط حياته بعد أسابيع من العلاج. ننوّه هنا بأنّ الإرشاد الروحيّ للمؤمن قد يتلاقى مع العلاج النفسيّ بقواسم مشتركة عديدة.

- يترافق هذا العلاج مع ممارسة الرياضات الجسديّة المختلفة، بالإضافة إلى الانخراط في النشاطات الاجتماعيّة النافعة، وعمل الرحمة مع الآخرين سيّما المحتاجون.

- الهدوء الخارجيّ وتغيير نمط الحياة قد ينفع بعض الأشخاص.

عندما تفشل هذه المحاولات جميعها لا بدّ من التداوي بالأدوية المعروفة والمعتمدة علميًّا، وذلك بعد استشارة أخصّائيّ في الأمراض النفسيّة وقبول نصائحه بتواضع، عالمين بأنّ اللَّه طبيب الأرواح والأجساد، يعمل عبره وبواسطة الدواء. يبقى أنّ المريض المؤمن يعوّل على صلاة مرشده الروحيّ والجماعة، إذ إنّ لها قوّة شفائيّة نفسيّة وجسديّة كبيرة.

نشير هنا إلى أنّ معظم أدوية القلق تحتاج إلى بضعة أسابيع ليبدأ مفعولها، وأنّه من المستحسن تفادي الأدوية المهدّئة للقلق والأرق لأنّها تخفّف العوارض في الأسابيع الأولى وتعرّض المريض لطلب جرعات زائدة في الأسابيع التالية، ومن ثمّ لتفاقم القلق والاكتئاب، ونذكر أنّ هذه الأدوية تعطى بناءً لوصفة طبيب مختصّ ولوقت محدّد.

في معظم الأحيان، القلق هو مشكلة نفسيّة وروحيّة في آن، لذا من المهمّ استشارة أب روحيّ متمرّس لتمييز الأمراض النفسيّة التي تستدعي تدخّلاً طبّيًّا من الأهواء الروحيّة.l

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search