مجلة النور العدد الثالث – 2023
عندما علمت أنّ في كنيسة القدّيس ديمتريوس في الأشرفيّة مركزًا لكبار السنّ، خلت أنّه يشبه غيره من المراكز. تردّدت كثيرًا قبل أن أسأل قدس المتقدّم في الكهنة الأب ديمتري خوري كاهن الرعيّة الذي زوّدني باسم السيّدة المسؤولة عن المشروع، وعندما لاحظ أنّي غير متحمّسة شجّعني وقال لي «لن تندمي».
اتّصلت بالسيّدة جيني داود وتواعدنا على اللقاء. كنت قد زرت من قبل مراكز عديدة لكبار السنّ ولكن الحقيقة تقال إنّ هذه الزيارة لمركز القدّيس باييسيوس شكّلت لي صدمة عمري، إذ لم أكن أتوقّع هذا الترتيب وهذا التنظيم وهذه النظافة. استقبلتني السيّدة عبّود ببسمتها وبوجهها البشوش والمفاجآت كانت كثيرة، إذ كنت أظنّ أنّ هذه السيّدة متقدّمة في السنّ لا حول لها ولا قوّة، لكنّها فاقت كلّ التوقّعات، فهي نشطة مندفعة ومحبّة ترحّب بالجميع وتتحدّث معهم وتراقب بعينيها الثاقبتين كلّ شاردة وواردة.
تجوّلنا في أقسام المركز المؤلّف من طبقتين والذي يقدّم اختصاصات مختلفة مع أشخاص متمرّسين، فهناك عيادات نفسيّة وأخرى للحركة النفسيّة ومسرح وموسيقى ومحترف للفنون ومنتجع صحّيّ وصالون للسيّدات وغرفة حسّيّة تشتغل على الحواسّ الخمس وتساعد كبار السنّ على تخطّي الكآبة تضاف إلى ما سبق غرفة للملابس يختار منها المشاركون ما ييحلو لهم .
بعد هذه الجولة كان لنا حديث مفصّل مع السيّدة جيني لنتعرّف أكثر إلى نشأة هذا المركز، ومن أين جاءت الفكرة.
هو مركز فريد من نوعه في لبنان والشرق الأوسط، لا بل أقول إنّه الوحيد من حيث الخدمات التي نقدّمها والنشاطات التي نقوم بها. بدأت الفكرة يوم كنت في فرنسا، فأنا في الأساس ممرّضة واختصاصي مساعدة كبار السنّ. وأعجبت بالفكرة وحظيت بتجاوب من الأب ديمتري الذي كان أيضًا يحلم بمشروع كهذا، بخاصّة أنّ فكرته انطلقت يوم كان مديرًا لبيت القدّيس جاورجيوس في تسعينيّات القرن الماضي، عندما عرض هذا المشروع في أكثر من مؤتمر وطنيّ وعالميّ. وبعد أخذ بركة صاحب السيادة ملاك أبرشيّتنا الذي كان يردّد دائمًا: «نريد أن يبقى كبارنا بركة في بيوتهم وبين أهلهم وأحبّائهم وتكون نهاية حياتهم سلاميّة». وهكذا ارتفع هذا الصرح الذي يستقبل حاليًّا يومين في الأسبوع. يخضع كبار السنّ للفحص الطبّيّ الدوريّ إلّا أنّ العلاج من دون دواء، وافتتحه صاحب السيادة المطران إلياس العام 2017، وهو مجّانيّ.
- ما هي شروط استقبال المسنّين؟ ما أعمارهم؟ من أيّة رعيّة؟ هل المفروض أن يكونوا من الأرثوذكس؟
من الشروط أن يكون كبير السنّ مستقلًّا فكريًّا وجسديًّا ونفسيًّا، يعني أنّه لا يحتاج إلى أيّة مساعدة في التنقّل أو في تناول الطعام، وعليه ألّا يتعاطى في شؤون الدين والسياسة، ونحن نقوم بتحقيق اجتماعيّ حول كلّ حالة قبل قبول الشخص. المشتركون حاليًّا 70 من النساء والرجال، وهم فوق 64 ومن كلّ الطوائف.
- ما هي النشاطات التي تقومون بها؟
أوّلًا، المركز يستقبل كبار السنّ يومي الثلاثاء والخميس، بعد أن كان يستقبلهم ثلاث مرّات أسبوعيًّا، الاثنين والأربعاء والجمعة. ويؤمّن خمس وجبات أسبوعيًّا لكبار السنّ خارج المركز. لكن بسبب انفجار مرفأ بيروت نستطيع أن نقول إنّنا قمنا من بين الدمار، وعدنا إلى الخدمة ضمن إمكانيّاتنا الحاليّة. على أمل أن نعود إلى خدمة عدد أكبر من كبارنا وتأمين وجبات لمن هم في الخارج. هذا هو هدف المركز. النشاطات كثيرة والجوّ عائليّ تسوده المحبّة والاحترام. تقام الاحتفالات في المناسبات المختلفة وفي أعياد ميلاد كبار السنّ. شاركوا في الميني ماراتون كما قدّموا مسرحيّة حضرها سيادة المطران إلياس (عودة)، وهذا السنة هم يتدرّبون على الغناء ليقدّموا حفلًا غنائيًّا. هذا طبعًا عدا اللقاءات مع الأطبّاء والاختصاصيّين النفسيّين والرياضيّين. في الاستراحة الأولى يتناول المسنّون الفطور مع القهوة، وقبل أن ينصرفوا يتناولون طعام الغداء الصحّيّ. وهذه السنة قدّم كبار السنّ حفلة غنائيّة عنوانها «كورال زمن الكبار» بدأت بالصلاة والنشيد الوطنيّ ونشيد المركز. ثم ّكانت كلمة الأب ديمتري وكلمة رئيسة المركز وصعد كبار السنّ على المسرح وأنشدوا بعض الأغاني الشعبيّة.
ثانيًا، نحن في يومي الاثنين والأربعاء نقدّم وجبة غداء خارج المركز.
- هذا مشروع مكلف كيف تؤمّنون الموارد؟ هل هناك متبرّعون؟
التمويل ذاتيّ فالمبنى يتألّف من ثماني طبقات ويستخدم لسكن طلّاب الجامعات أو للخلوات والمؤتمرات. ومدخول هذا المشروع يؤمّن مصاريف المركز كما أرادت وتمنّت السيّدة مارغو كبّه التي تبرّعت على نيّة زوجها المتوفّى فاستثمر المال في هذا المركز.
- ما هو عدد العاملين؟ هل هم متطوّعون أم يتقاضون أجرًا؟
عدد العاملات خمس عشرة وهن يتقاضين مخصّصات أكثر ممّا هي رواتب، تعبّر عن محبّتهنّ ومساهمتهنّ في رعاية كبار السنّ. إضافة إلى بعض سيّدات الرعيّة اللواتي يتطوّعن في تحضير الطعام. المساعدات من متبرّعين قليلة جدًّا بسبب ظروف الناس الحاليّة. لكن يسجّل للجنة القدّيسة مرتا في رعيّتنا مساهمتها التي لم تتوقّف عبر «صندوق فلس الأرملة».
حلم كبير تحقّق بين القدّيسين ديمتريوس وباييسيوس وبورفيريوس، فارتفع المركز بنعمة الروح القدس وشفاعة قدّيسنا وبركة ملاك أبرشيّتنا المتروبوليت إلياس. فصار سندًا لكبارنا في آخر المشوار يوفر لهم الرفقة والهناء والكرامة والسعادة. اللهمّ نشكرك ونضرع كي تتكاثر هذه المراكز خدمة لمجتمع يتألّم وأنت وحدك المعين المجيب.