العدد الثاني - سنة 2022

08 - تحقيق - قصّة عشق مع المربّي والمؤرّخ المعاصر الأستاذ شفيق حيدر - إعداد النور - العدد 2 سنة 2022

قم للمعلّم وفّه التبجيلا كاد المعلّم أن يكون رسولا

كيف لا وأنت من أنشأ أنفسًا وعلّمت فأخرجت العقل من ظلمته وصقلته بالمعرفة.

كنت عدوًّا للجهل وربّيت على العدل أجيالًا وقوّمت الطباع باللطف والوداعة.

كنت خير مرشد للكلمة الإلهيّة، ورسولًا للغة برعت في صوغها، فانسكبت كلماتها من قلب كبير ينبض بالمحبّة ويلهج بذكر اللَّه.

لم تبخل يومًا بنصيحة، ولم تقفل بابك في وجه طالب، وكنت أمينًا على أجيال صنتها بكرامة. غايتك رفعة الإنسان في لبنان.

وحتّى لا نجرح تواضعك نكتفي بألف تحيّة وتحيّة لأخ عرف معنى الأخوّة، ولأستاذ ترك بصمة طيّبة في تاريخ مدرسة مار إلياس الميناء.

مَن هو شفيق حيدر؟

شفيق حيدر من مواليد الزاهريّة بطرابلس في 11 كانون الأوّل السّنة 1940. والده حنّا بن إلياس حيدر ووالدته حنّة أنطونيوس فيعاني وأخواه سعاد ونديم توأمه. اقترن السنة 1968 بليليان نصري نحّاس ورزقهما اللَّه ولدين هما جهاد وجمانة.

أين تلقّيت علومك الابتدائيّة والثانويّة والجامعيّة، وما هي شهادتك؟

ابتدأت الدراسة في مدرسة البنات الوطنيّة للروم الأرثوذكس في الزاهريّة، وأنهيت فيها السنة الابتدائيّة الثانية، ثمّ تابعت في معهد الفرير (إخوة المدارس المسيحيّة) بطرابلس الدراسة من السنة الثالثة الابتدائيّة حتّى حصولي على شهادة البكالوريا اللبنانيّة – القسم الثاني – فرع الفلسفة في العام الدراسيّ 1959-1960.

أمّا تحصيلي الجامعيّ فتمّ في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، في الجامعة اللبنانيّة في بيروت، وذلك قبل أن تفرض الحرب اللبنانيّة العبثيّة تفريعها، حصّلت فيها الإجازة في اللغة العربيّة وآدابها. وفي الوقت ذاته انتظمت معلّمًا ومدرّسًا فأستاذًا في الثانويّة الوطنيّة الأرثوذكسيّة في الميناء، وكان مديرها آنذاك الأستاذ قيصر بندلي (المطران بولس لاحقًا)، ومدرسة البنات الوطنيّة للروم الأرثوذكس في الزاهريّة بإدارة السيّدة سلوى فارس حتّى السنة 1970-1971.

متى انخرطّت في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وكيف تدرّجت فيها؟ وبمن تأثّرت من قادتها؟

قصّتي مع حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة تبدأ في السنة 1956، يوم التقيتُ مع شلّة من رفاق المدرسة وألّفنا فرقة تسلّم قيادتها مرشدًا ومعلّمًا الأخ قيصر بندلي. اتّخذت هذه الفرقة القدّيس إستفانوس شفيعًا لها. كنّا نجتمع في دار المطرانيّة التي استقبلتنا بحماس وتشجيع وترحيب، وكنّا نعقد الاجتماعات أسبوعيًّا في مكتب الاستقبال الذي وضعه مطران الأبرشيّة بتصرّفنا (البطريرك ثيوذوسيوس السّادس لاحقًا) فنتحلّق حول المكتب يتوسّطنا المرشد وندرس الكلمة الإلهيّة بدءًا بأناجيل الآحاد. وكثيرًا ما كان يشاركنا المثلّث الرحمة البطريرك ثيوذوسيوس في أمسيّات اجتماعاتنا جالسًا في آخر المقاعد، مستمعًا بإصغاء وحبّ.

من هنا كانت بداءة رحلة التزام قضايا الكنيسة المقدّسة، وبعون اللَّه ستستمرّ حتّى دنوّ الأجل. ومن هذه الخليّة الدارسة والمصلّية انطلقتُ مع الأخوة نعمل في منظّمات الطفولة، وبعدها مع طلائع النور (الاستعداديّين) على صعيد مركز طرابلس. ثمّ شاركت في العمل التبشيريّ في فروع المركز، وتعاطيت إرشاد فرق الطلّاب والجامعيّين والعمّال إلى ما هنالك... إلى جانب مسؤوليّات إداريّة كأمانة السرّ وأمانة الصندوق.

والعمل بمعيّة الأخوة أغناني وأثّر فيّ كثيرًا. ولكن لا بدّ من التوقف عند قادة حركيّين طبعوا تكويني الفكريّ وتوجيهي ودفعي وأخصّ، على سبيل المثال لا الحصر، كلًّا من قيصر بندلي وجورج خضر وليف جيلله وإغناطيوس هزيم وكوستي بندلي ويوحنّا منصور وألبير لحّام وأندريه جحا، وغيرهم ممّن أتاحت الظروف أن اجتمع إليهم وأغرف من مخزون فكرهم في الأرجاء الأنطاكيّة الواسعة.  

كيف نشأت علاقتك مع الكنيسة؟

من نعم اللَّه عليّ أنّي وُلدت وترعرعت في كنف عائلة همّها الكنيسة والحياة فيها. أبواي من نسل يتصّل بالكهنة، لأبي أخ كاهن خدم طرابلس وملبورن في أوستراليا، وآخر مرتّل في كاتدرائيّة طرابلس. وأمّي جدّها كاهن وكذلك عمّها. وعرّاباي كاهن ونسيبة تقيّة ممارسة تسبق الكهنة إلى الكنيسة. ولا ننسى أنّ أرثوذكس طرابلس، على العموم عاشوا همّ أنطاكية واهتمّوا بالكنيسة، خدمِها ورعايتِها وأوقافِها. ففي اجتماعاتهم تحدّثوا في الكنيسة وشؤونها ورجالاتها: (لطف اللَّه خلاط، صاحب جريدة الحوادث، وأصدقاؤه ولقاؤهم يوميًّا في «الكونغرس(١)». وسوق الصيّاغ وجلّهم كانوا من أرثوذكس المدينة). وهذا يظهر جوّ الروم في طرابلس. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ الأرثوذكسيّين كانت تربطهم صداقات حميمة وقويّة مع مسلمي المدينة فتعاونوا وتحابّوا وتزاوروا وتجاوروا وتآلفوا.

ما هي نشاطاتك الحركيّة؟ وما هي المسؤوليّات التي أُسندت إليك؟

تمحورت نشاطاتي في الحركة حول المسؤوليّات التربويّة والإرشاديّة ومجلّة النور والمنشورات. واختارتني محبّة الإخوة، وفي حقب متعاقبة، رئيسًا لمركز طرابلس وأمينًا عامًّا للحركة، وعُهِدت إليّ مسؤوليّات عديدة في الأمانات العامّة ومجلس مركز طرابلس.

ما هي مؤلّفاتك من كتب ومقالات؟

وأثناء سنوات خدمتي الكنسيّة المستمرّة، ووظيفتي التربويّة قدّمت دراسات عدّة في مجالي التربية والحياة الحركيّة والشروحات الكنسيّة، وكتبت فيها مقالات كثيرة، وألقيت خطبًا ومحاضرات. نُشر جلّ ذلك على صفحات «مجلّة النور الأرثوذكسيّة» و«نداء النور» وبعض الجرائد اللبنانيّة وغيرها من الدوريّات. وألّف هذا النتاج المنثور مدى العمر نواة الكتب التي صدرت لي وهي: «دير البلمند، معهد اللاّهوت الأرثوذكسيّ» السنة 1970، و«خواطر في التربية المستقيمة» السنة 2002، و«في مواكبة الكلمة» السنة 2015، «المعلّم في الزمن الصعب» السنة 2016، «ترجمات قياميّة، 75 سنة من عمر حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة» السنة 2017، «إطلالات وجوه وحبر أقلام» السنة 2018، و«أيّة تربية لأيّ مجتمع؟» السنة 2019، و«صفحات أنطاكيّة، تاريخ منثور بين الكلمات والسطور» السنة 2021، و«زاد المتخرّجين».

بدأْتُ، وأنا حاملٌ الشهادة الثانويّة إذ ذاك، معلّمًا، في الصفوف المتوسّطة، لموادّ عدّة، حدّدها لي المدير، الأستاذ قيصر بندلي آنذاك، وهي اللغة العربيّة والفيزياء والطبيعيّات والاجتماعيّات واللغة الفرنسيّة. وانتسبت أيضًا إلى الجامعة اللبنانيّة – كلّيّة الآداب في بيروت – قسم اللغة العربيّة وآدابها، وتابعْتُ، فيما أعمل، دراسة اللغة العربيّة وأدابها. ثمّ انصرفْتُ إلى تعليم الأدب العربيّ والفلسفة الإسلاميّة في المرحلة الثانويّة. فقضيتُ في المدرسة المتربّعة على شاطىء الميناء خمسةً وخمسين عامًا. عهد إليّ المطوّب الذكر المطران إلياس قربان في أربعين منها، بين 1971 و2011، إدارة المدرسة. حاولت أن أبرّ بالمسؤوليّة ولم أهجر التعليم البتّة حتّى أثناء إدارة المدرسة، إنّما تابعت التدريس متعاقدًا حتّى أيلول السنة 2016، ثمّ في ثانويّة سيّدة بكفتين الأرثوذكسيّة حتّى 2019.

وأنعم اللَّه عليّ بجوّ عابق بالمحبّة والتعاون والولاء والحرّيّة والتضحية في مدرسة مار إلياس لـمّا خلفت المطران بندلي، وهذا سمح لنا بالتقدّم والتوسّع والتّفريع. كما أنّ رعاية المطران قربان التي اتّصفت بالحكمة، والثقة باللَّه ومواهب أبنائه، والمراقبة الحثيثة المشجّعة والبنّاءة ، مكّنتنا من تحقيق بعض النجاحات. وما نسينا رسالة المدرسة التابعة للكنيسة التي فهمتها قائمة على خدمة أبناء اللَّه، من دون تمييز بين المواطنين من حيث انتماءاتهم الدينيّة والطبقيّة والمناطقيّة، فيما ينمون ويزيدون، وبخاصّة من كانوا معوزين، مؤمنين بأنّ مدرسة الكنيسة مدرسة للفقراء ولكنّها ليست مدرسة فقيرة. اتّبعنا لتحقيق هذا الهدف أرقى الوسائل التربويّة وعمل معنا أشهر الأساتذة والمعلّمين، وبرّ كلّهم بالرسالة التي ورثناها عن الآباء المؤسّسين، قبل الحرب العالميّة الأولى وبعدها.

وفي معرض الحديث عن مدرسة مار إلياس، لا يمكنني إلّا أن أشير إلى دورها على صعيد الشرق الأوسط، في تحويل لاهوت المؤسّسات التربويّة التابعة للكنيسة إلى أنّها للخدمة لا للتبشير فقط أو الاقتناص. أمّا، ولأسباب لا أريد التوقف عندها، فقد ضعف دورها في مأسسة مدارس الكنيسة وتوحيدها. ويكفي التذكير بتعطيل «أسرة المدارس الأرثوذكسيّة في لبنان» بعد الدور الكبير الذي قامت به على الصعيد التربويّ العامّ. 

وأثناء هذه الخبرة الطويلة عرفت المدرسة محطات عدّة سأتوقّف وأحكيها بصدق وأمانة وتوثيق دقيق في كتاب. غايتنا أن نتعلّم من الظروف المتنوّعة، ونستفيد من النجاحات التي منّ اللَّه  بها  علينا، ومن الإخفاقات التي نتجت من الضعف في  جبلّة البشر. وأنهي بأنّني دوّنت هذه الخبرةَ، وذكرياتِ العمر في حياتي التربويّة في بعض كتبي وهي «خواطر في التربية المستقيمة» و«المعلّم في الزمن الصّعب» و«أيّة تربية لأيّ مجتمع؟» و«زاد الخرّيجين».    

ما هو نشاطك الكنسيّ اليوم؟ 

ينحصر نشاطي اليوم في خدمة الكنيسة كوني عضوًا ممارسًا في رعيّة طرابلس وفي حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، عضوًا في فرقة للعائلات ومرشدًا لفرق أخرى. وأكتب في مجلّة النور وغيرها من الدوريّات.

ماذا عن سندسموس والمؤتمرات التي شاركت فيها؟

اشتركْتُ في لقاءات سندسموس لأكثر من مرّة وعملت بخاصّة مع الهيئات   الأرثوذكسيّة العربيّة وهي من لبنان وسورية والأردن ومصر وفلسطين المحتلّة، وشاركت في اجتماعات ضمّت الشباب الأرثوذكسيّ العربيّ في أكثر من بلد. ومناي أن تنشط رابطة الحركات الأرثوذكسيّة في العالم (سندسموس) في الشرق الأوسط لتؤدّي شهادة واحدة لكنيسة واحدة بلسان عربيّ فصيح وفي بيئات متشابهة.

«أسرة المدارس الأرثوذكسيّة في لبنان»، كيف نشأت وما كان هدفها؟ وهل حقّقت بعض الإنجازات؟ 

في 29 كانون الثاني من السنة 1993، وإثر اجتماع في البلمند ترأسه المثلّث الرحمة البطريرك إغناطيوس الرابع، وحضره أصحاب السيادة رؤساء الأبرشيّات ومديرات المدارس الأرثوذكسيّة ومديروها، تألّفت الأسرة. وضمّت مدارس بيروت وطرابلس والكورة وعكّار وجبيل والبترون وصيدا ومرجعيون. من أهداف هذه الأسرة:

1 – توحيد مواقف المدارس الأرثوذكسيّة من السياسة التربويّة العامّة وتوحيد تمثيلها أمام المراجع الرسميّة وحماية حقوقها.

2 – السعي لاشتراكها في المؤتمرات والاجتماعات التربويّة العامّة.

3 – ترسيخ التعاون بينها وتنسيق جهودها لرفع مستوى عطائها وأدائها الروحيّ والتربويّ والإداريّ والثقافيّ والعلميّ والفنّيّ والمهنيّ...

4 – الاستفادة من خبرات كلّ منها وتبادل هذه الخبرات في ما بينها، وتنظيم لقاءات ومؤتمرات ونشاطات روحيّة وتربويّة دوريّة تسهم في تطويرها وتقدّمها.

5 - تنظيم دورات تدريبيّة أو تأهيليّة، عند الاقتضاء، للعاملين فيها في مختلف الحقول والمجالات.

وعيّن المجمع المقدّس إذ ذاك المتروبوليت بولس بندلي ليرافق الأسرة في اجتماعات أمانتها العامّة والمؤتمرات التي أقامتها. وهنا أذكر مؤتمرًا أقيم في بيروت، في قاعة بتلوني في مستشفى القدّيس جاورجيوس، دار حول التعليم الدينيّ في المدارس. ولا أنسى المؤتمر الذي رعاه غبطة البطريرك في دمشق، في قاعة كنيسة الصليب في القصّاع، ودارت محاضراته وبحوثه حول رؤية المدارس الأرثوذكسيّة وتمتين الوحدة في ما بينها عابرين هكذا حدود الأبرشيّات. كما أنوّه بالاجتماعات العديدة التي ضمّت معلّمي مدارس لبنان، لمواكبة خطّة النهوض التربويّ في لبنان والتدريب على المناهج الرسميّة الجديدة.

علّمت في مدرسة مار إلياس وفي غيرها فماذا تعني لك رسالة التعليم؟       

رسالة التعليم هي خدمة وتواضع وعطاء، هي محبّة منسكبة متعهّدة. المعلّم يخدم الناشئة إذ يساعدها على نماء عقلها وتفتّح ذهنها لتربو وتنمو في المعرفة والحقّ. ولا يستطيع ذلك إلّا المتواضعون القادرون على الغيريّة الصادقة ونسيان أناهم، والمجيدون سماع الأولاد واحترامهم صغارًا وكبارًا، فيبذل الحياة والراحة والجهد ولا يبخل في التضحية من أجل المتعلّم، مهما بلغت. وكلّ ذلك يقودنا إلى شعار «... وبالمحبّة نربّي».

معروف أنّك ناشط في المجتمع الطرابلسيّ المدنيّ. هل يمكنك أن تخبرنا عن هذا الموضوع؟ 

انطلاقًا من كون الإيمان الصحيح يحملنا على التزام الناس وقضاياهم ويمتّن الانصهار الاجتماعيّ الإنسانيّ، أذكر باختصار شديد أنّ إيماني قادني إلى الخدمة المجتمعيّة في «التجمّع الوطنيّ للعمل الاجتماعيّ» في طرابلس أثناء الحرب العبثيّة التي عصفت بلبنان بدءًا من السنة 1975، وتمّ ذلك رسميًّا باسم الحركة.  وضمّ هذا التجمّع النقابات والاتّحادات والهيئات الثقافيّة والاجتماعيّة، وتولّى إدارة قضايا المدينة والمجتمع مدنيًّا واجتماعيًّا. تمّ ذلك بموافقة الأحزاب في المدينة وساستها الذين تعهّدوا الناحية السياسيّة والأمنيّة فقط، وتركوا الاهتمام بالمعيشة للتجمّع الوطنيّ.

أمّا اليوم فأعمل عضوًا في جمعيّة الحراك المدنيّ بصفة شخصيّة، وتضمّ نحو أربعين جمعيّة خيريّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة، وأفرادًا ناشطين في الحقل العامّ. وهنا أرى ضرورة الإشارة إلى أنّ الإدارة الحركيّة الرسميّة في مركز طرابلس رفضـت الانخراط مع الهيئات الأخرى في تأسيس هذه الجمعيّة.  

هلّا أعطيتنا لمحة عن طرابلس عند انطلاق الحركة وعن أوضاع الكنيسة حينها.

طرابلس، عاصمة لبنان الثانية، في الأربعينيّات من القرن الماضي شغلتها القضايا العربيّة التي عرفها ذلك الزمن، وفي مقدّمتها القضيّة الفلسطينيّة والحركة الاستقلاليّة في الجزائر والثورات التحرّريّة في دنيا العرب، وظاهرة السعي إلى تحقيق الوحدة العربيّة بقيادة جمال عبد الناصر في أكثر من قطر عربيّ. وطرابلس مسيحيًّا ذات أغلبيّة أرثوذكسيّة. فيها ثلاث رعايا: في البلدة والميناء والقبّة. عُرِفَت بأنّها مدينة طقوسيّة ومنها ثلاثة من أهمّ العارفين بالتيبيكون في الكرسيّ الأنطاكيّ وهم المتقدّم في الكهنة نقولا غريّب ولطف اللَّه خلاط وأسعد صوايا. قامت الحركة في هذا الجوّ وباكورة أعمالها التعليم الدينيّ ونشر المعرفة في هذا المجال، والتشديد على الممارسات الطقسيّة بعد شرحها وتبيان معانيها وغاياتها. والجدير ذكره أنّ الكأس المقدّسة كانت تُعرَض مغلقة في آخر القدّاس الإلهيّ وكأنّ لا علاقة للمناولة بسرّ الشكر. وهنا انبرت الحركة تنشر الوعي أنّ المناولة المقدّسة هي الغاية من القدّاس الإلهيّ وقمّته. كما شيّعتْ تفسير القدّاس الإلهيّ والصلوات الطقسيّة، وأعادت إلى الوعظ مكانته الأساسيّة في الخدم، وعمّمت دراسة الكتاب المقدّس وقراءته إذ لا نهضة إلّا بالمعرفة والتقديس.

- كيف تصف علاقتك بالمجمع المقدّس والسّادة المطارنة، وبخاصّة مطران طرابلس في أوقات مختلفة؟                                   

 علاقتي بالمجمع المقدّس علاقة المؤمن المتابع المسؤول، وهي علاقة بنويّة. أنتظر من المجمع الكثير الكثير من المقرّرات والتخطيطات مع رسم سبل التنفيذ، كما أرنو إلى تنظيم دقيق حديث لأنّ الإدارة، كما أراها، أداة لتمتين وحدة الأبرشيّات وتلألؤ أنطاكية. ولكنّ رغبات المؤمنين، وهم مهمّشون في إدارة شؤون الكنيسة إذ الأطر القانونيّة غير مرعيّة، تذهب أدراج الرياح. أمّا الشقّ الثاني من السؤال فلي تخفّظ عليه إذ العلاقة بين الأسقف والأبناء لا تقاس على الصعيد الشخصيّ، لأنّها علاقة مع الجماعة. وجوابي هو أنّ علاقتي مع مطران الأبرشية هي كعلاقة أيٍّ من المؤمنين تقتصر على سعيي إلى الارتباط بالحياة السرّيّة الجارية في الكنيسة عبر مشاركتي في كنيسة رعيّتي فقط.

- ماذا قدّمت لك حركة الشبيبة؟          

بكلمة واحدة كانت الحركة بالنسبة إليّ هبة من السماء مكّنتني من فهم ممارساتي في الكنيسة، التي تحوّلت إلى مسرى للحياة الإلهيّة إلى كياني، وجعلتني واعيًا أنّ التوبة هي بدء سلوك طريق النهضة. ألم يعرّف الحركة يومًا معلّمُنا المطران جورج خضر بقوله: «الحركة جماعة تائبين».

- هل ما زلنا بحاجة إلى الحركة اليوم؟                       

انطلاقًا من تعريف الحركة الوارد سابقًا، الحركة دائمة الوجود لأنّ الخطيئة دائمة الوجود. وتاليًا التوبة ضرورة أبديّة، فلن يأتي يومٌ يُستغنى عنها فيه. هكذا تحتاج الأرثوذكسيّة أبدًا إلى حركة توبة.      

كلمة إلى الإخوة الحركيّين

من هو القادر على النصيحة في العيد؟ الحركة صحوة ووعي. فالحركيّ صاحيًا وواعيًا يمتحن قلبه على الدوام وينصح نفسه ويرى أين هو من الصحوة والوعي؟ أين هو من الدرس والبحث والقراءة لتزداد معرفته؟ والمعرفة لا نهاية لها. أين هو من وعي مسؤوليّته عن نفسه وعن غيره؟ أين هو من التوبة المستمرّة؟ أين هو من تضحية الحبّ وبذل الذات؟ أين هو من الجهد المتواصل في خدمة البلاد والعباد؟ هل قِبلته اللَّه وهل قلبه فيه وحده؟ هل يسعى إليه فيمن حوله من الناس وبخاصّة الضعفاء؟ هل ارتسم نور اللَّه على وجهه. في العيد يحاول الحركيّ أن يجيب في خلوته عن هذه التساؤلات، فيلتقط هكذا النصيحة الكبرى ويستمرّ امتحان القلب فيعيّد. n

 

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search