العدد الثاني - سنة 2022

11 - قدّيسون - وصاح الديك - إيمّا غريّب خوري - العدد 2 سنة 2022

سمعان بن يونا هو اسم الرسول بطرس الأصليّ، أطلق عليه يسوع المسيح اسم بطرس الذي يعني الصخرة. ولد في قرية بيت صيدا على ضفّة بحيرة طبريّا(١). كانت البحيرة تقع في منطقة الجليل شمال فلسطين التي كانت في أيّام يسوع تقسم إلى ثلاثة أقاليم: الجليل والسامرة واليهوديّة حيث مدينة أورشليم. هو وأخوه أندراوس (يوحنّا 1: 40) مهنتهما الصيد، وكانا شريكي يعقوب ويوحنّا ابني زبدى في الصيد. دعاه يسوع هو وأندراوس قائلًا: «هلمّ ورائي فأجعلكما صيّادي الناس» (متّى 4: 18).

كان بطرس شاهدًا على كلّ أعمال يسوع ومعجزاته، منذ اللقاء الأوّل عند البحيرة عند معجزة الصيد الكثير. ومن تلك اللحظة حسم بطرس أمره وترك كلّ شيء ورافق يسوع في تجواله، حتّى إنّ يسوع دخل بيت بطرس في كفرناحوم وكانت حماة الأخير مريضة فشفاها. وعندما كان يسوع يذهب وحده باكرًا قبل الفجر ليصلّي كان بطرس ينطلق وراءه باحثًا عنه، وقائلًا له إنّ الناس يطلبونه. وسار بطرس مع يسوع في قرى الجليل كلّه معاينًا المعجزات الكثيرة التي قام بها يسوع، من إقامة ابنة رئيس المجمع يايروس، إلى تكثير الخبز والسمك، إلى السفينة التي كانت تهدّدها الريح العاصفة، إلى إبراء البرص والصرع وطرد الشياطين، وإقامة المقعد والمخلّع، والنازفة الدم، وابنة الكنعانيّة.

في معظم الأحيان كان بطرس يتكلّم باسم التلاميذ جهارًا، ويتدخّل عفويًّا. وكان يسوع يصرّ على أن يصطحب بطرس في كلّ تنقّلاته، لماذا؟ هل كان يراه أذكى من سائر التلاميذ؟ هل كان يتوسّم فيه الإيمان القويّ والثابت؟ ألم يكن بطرس معه في الجبل يوم تجلّى وعرض أن تصنع ثلاث مظالّ. لماذا أخذه معه في الجثسمانيّة عندما ابتدأ يحزن ويكتئب؟ ألم يطلب منه أن يدفع الجزية، وحين سأل الربّ من يظنّون أنّه هو قال بطرس معترفًا وصارخًا «أنت المسيح ابن اللَّه الحيّ». تبع المسيح إلّا أنّه كان دائمًا في حالة من الشكّ حول المصير، ألم يسأل الربّ حين قال: «ها نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك فماذا يكون مصيرنا؟». وشكّ بطرس أيضًا عندما مشى على الماء وبدأ يغرق فأنّبه يسوع. كان دائم السؤال يريد أن يعرف أكثر، يريد أن يشرح له المعلّم الأمثال. شكّ بطرس أيضًا في كلام مريم المجدليّة التي نقلت إليه خبر القيامة، فجاء إلى القبر ليتأكّد بنفسه.

بعد كلّ ما رأى وشاهد لماذا أنكر بطرس المسيح ثلاث مرّات قبل صياح الديك، كما قال له السيّد؟ وهو الذي كان مستعدًّا أن يموت ولا ينكر المسيح؟ ومع أنّه أكّد أنّه يحبّ المسيح أيضًا ثلاث مرّات، ومع أنّ يسوع قلب حياته رأسًا على عقب، وأصبح الناصريّ هو المركز وهو الحبيب، هو الربّ هو المسيح المنتظر الذي تنبّأ به أنبياء العهد القديم، والذي سيخلّص شعبه المؤمن به. وغدا بطرس الصخرة التي سيبني عليها الربّ كنيسته، وأصبح الحلّ والربط بيده وكذلك مفاتيح ملكوت السماوات.

 هل كان يأمل أن يكون يسوع هو القائد العسكريّ أو السياسيّ الذي سيحرّر شعبه بالقوّة وخاب أمله لمّا شاهده مقيّدًا لهذا أنكر أنّه تلميذه؟ ألم يكن بطرس حاضرًا في تلك الليلة في البستان عندما اعتقل الجند يسوع بقيادة يهوذا، عندما رأى المصابيح والمشاعل والسلاح، وسمع جواب يسوع «أنا هو»؟ لماذا كان بطرس يحمل سيفًا؟ ألم يسمع ما قاله الربّ: «أتظنّ أنّي لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدّم لي أكثر من اثني عشر جيشًا من الملائكة».

ألم يكن يدرك أنّ يسوع هو ملك السلام وأنّه جاء ليَخدم، لا ليكون ملكًا أرضيًّا؟ بطرس أحبّ يسوع وأخلص له، واندفع بعفويّة وطيبة ورفض أن يتحدّث يسوع عن موته، حتّى عندما انتهره المسيح وقال له «اذهب عنّي يا شيطان»، لم يحقد بطرس وصمت تواضعًا. وبتعابير اليوم كان بطرس متعصّبًا ليسوع لا يريد أن يقترب منه أيّ شرّ حتّى الأولاد أبعدهم عنه. يمكننا القول إنّ بطرس هو مثال الحماس الشرقيّ بامتياز.

نعم أنكر بطرس يسوع وبكى بكاء مرًّا، وأصرّ الإنجيليّ على وصف البكاء بالمرارة وهذا دليل على قوّة الندم الذي شعر به بطرس عندما أنكر السيّد. بكى بدموع غزيرة، بدموع حارّة أحرقت قلبه ألمًا وشجنًا. وإذا بمسيرته مع يسوع تبرز أمامه بشريط من الصور المجيدة، خلال اصطحابه الناصريّ في طرقات الجليل، إلى أن تابع المسيرة ليصل إلى الجنوب إلى أورشليم اليهوديّة.

ومع أنّ بطرس أنكر المسيح لكنّه لم ييأس كيهوذا، وبقي يجتمع مع التلاميذ الآخرين. وبعد القيامة، انقلب الخوف والتردّد إلى الشجاعة والاستشهاد والموت في سبيل الكلمة. وبعد أن انسكب الروح القدس عليه وعلى التلاميذ بألسنة ناريّة، استبدل بسلاح الروح السيف الذي كان يحمله، وتكلّل بنعمة الروح القدس وانطلق للبشارة، فكان الرسول الأمين والواعظ الفصيح، واجترح باسم يسوع المسيح العجائب، وسهر على خراف المسيح كما أوصاه الربّ بأن «ارع خرافي». وغدا بطرس مع الرسول بولس مؤسّسي كنيسة أنطاكية، وبحسب الكنيسة جميع الأساقفة المعترفين بالإيمان القويم يعتبرون خلفاء بطرس وسائر الرسل. 

وفي ختام بشارته، فرح بطرس عندما علم أنّه سيصلب كمعلّمه وتذكّر ما قاله له السيّد مشيرًا إلى الميتة التي سيمجّد بها اللَّه: «لمّا كنت شابًّا، كنت تشدّ الزنّار بنفسك، وتسير إلى حيث تشاء، فإذا صرت شيخًا بسطت يديك، وشدّ غيرك الزنّار ومضى بك إلى حيث لا تشاء». صلُب بطرس ولكن كان رأسه إلى الأسفل على عكس صليب يسوع، ومع هذا لم يبدِ أيّ اعتراض بل مجّد اللَّه.

كتب بطرس رسالتين وجّههما إلى المسيحيّين في خمسة أقاليم رومانيّة من آسيا الصغرى، وفيهما إرشادات لخلاص المؤمنين، وحثّهم على القداسة والسهر والمحبّة والتواضع. وممّا ورد في الرسالة الأولى: «فألقوا عنكم كلّ خبث وكلّ غشّ وكلّ أنواع الرياء والحسد والنميمة... اقتربوا منه فهو الحجر الحيّ الذي رذله الناس فاختاره اللَّه وكان عنده كريمًا... أحثّكم على أن تتجنّبوا شهوات الجسد فإنّها تحارب النفس. سيروا سيرة حسنة... ولا تردّوا الشرّ بالشرّ والشتيمة بالشتيمة، بل باركوا لأنّكم لهذا دعيتم لترثوا البركة. لأنّ من شاء أن يحبّ الحياة ويرى أيّامًا سعيدة وجب عليه أن يكفّ لسانه عن الشرّ وشفتيه عن كلام الغشّ».

صياح الديك أيقظ بطرس، فاندفع مجدّدًا في طريق الربّ مبشّرًا ومدافعًا، فعسى أن يصيح الديك في نفس كلّ واحد منّا حتّى نسلك سبيل بطرس.n

 

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search