يشكّل النصّ الدينيّ منارة نسترشد بها للنجاة من اضطرابات هذا العالم التي نحيا في خضمّها اليوم، فمن التمييز بين الناس إلى عدم القدرة على العمل كفريق متجانس، إلى الضعف في مواجهة التحدّيات اليوميّة.
هذه ليست المرّة الأولى التي تواجه فيها الكنيسة هذه التحدّيات والتي عرفتها منذ انطلاقتها، فلنعد إلى الزمن الفصحيّ عسانا نسلتهم منه الترياق لتعبنا.
الناس يميّزون بعضهم عن بعض بناءً على القدرة الجسديّة، أو القدرة الاجتماعيّة، أو حتّى القدرة الروحيّة. والتمييز نوعان، سلبيّ، وآخر إيجابيّ.
التمييز الإيجابيّ هو كحفظ حصّة مضمونة للمرأة في الانتخابات مثلًا، أو كتقدّم المعمّد حديثًا أوّلًا في صفّ المناولة. أمّا التمييز السلبيّ، فيعتبر نوعًا من أنواع الإقصاء، أو فعلًا من الأفعال العنفيّة. والتمييز السلبيّ بين الناس على أساس الجنس، أو الدين ممكن أن يتسرّب إلى الكنيسة، ويعرّضها لاهتزاز كبير على صعيد المساواة في الأخوّة. فكيف السبيل إلى تحصين المعمّدين الجدد أوّلًا، وعبرهم تحصين كلّ المؤمنين؟
تعرض الكنيسة علينا، بعد إعلان قيامة يسوع، نصوصًا عدّة من إنجيل يوحنّا تشكّل جسر عبور بين حدث القيامة وحدث العنصرة.
وتدور هذه النصوص حول عنصر أساس للحياة، ألا وهي المياه، أي المادّة الأبرز في طقس سرّ المعموديّة، كما في سرّ الدموع أي سرّ التوبة والاعتراف. وهذه النصوص هي: المخلّع، والمرأة السامريّة، والأعمى.
تتعهّد الكنيسة تعليم أبنائها، عبر نصوص، طقوس الصلاة عينها، وتعرّفهم إلى المسيح (مرحلة الموعوظيّة)، وتحذّرهم من التراجع في التزامهم الإيمانيّ (مرحلة الثبات في المعموديّة)، وتعدّهم لمواجهة الحياة (مرحلة ما بعد المعموديّة).
تفترض الكنيسة بخبرتها الروحيّة تساؤلات عدّة، تسعى إلى الإجابة عنها. نذكر من هذه التساؤلات: هل من أفضليّة مبنيّة على أقدميّة الانتماء إلى المسيح؟
في الترتيب الكنسيّ يؤخذ يوم السيامة كمعيار للأقدميّة، ولتقدّم كاهن على آخر في إقامة الصلاة، وإن كان فارق العمر بينهما ليس في مصلحة المتقدّم.
أمّا المستنير جديدًا، والذي داوم مدّة سنتين أو أكثر على التعليم المكثّف، من أجل استكمال التحضيرات ليوم المعموديّة، فكيف له أن يتعاطى مع الإخوة الجدد الذين يظهرون حماسة وتوقّدًا سريعًا في طاعة المسيح؟
يقتبل المعمّد بإرادته الانتماء إلى المسيح، ويعلن ذلك في نصّ خدمة المعموديّة، كما يعلن إيمانه الواحد المشترك مع الكنيسة. ويجب عدم النظر إلى هذا الخيار كامتياز لناس على إخوة لهم.
فرغم المجاهرة بالاختيار يبقى لفعل النعمة، أي المجّانيّة في العطاء، دور مجدّد للالتزام الروحيّ. وهذه المجّانيّة مشتركة تجتمع عليها النصوص الإنجيليّة الثلاثة، وتذكّرنا بقواعد أساسيّة في الحياة الروحيّة ينبغي احترامها دومًا:
1- مجّانيّة الشفاء – عدم معرفة أيّة معلومة عن يسوع قبل الشفاء.
2- مجّانيّة التعليم – مرحلة التعليم تلي اللقاء بيسوع ولا تسبقه.
3- مجّانيّة الشرطنة – التأكيد على رسوليّة من اقتبل يسوع.
الشفاء لا ننظر إليه على أنّه مرحلة كسر لمحدوديّة ما في الجسد، بل على أنّه نوع من لقاء حميم مع يسوع، ويشعر على أثره من شُفي بشيءٍ من الحرّيّة والولادة الجديدة.
تدعو الكنيسة أبناءها، وهم أعضاء الجسد، إلى وحدة حياة يحكمها المسيح الرأس. فلا تكون الكثرة انقسامًا، أو أعضاء الجسد يابسة. فالمخلّع لا يحمل اسمًا محدّدًا، إنّما شكلًا من أشكال الكنيسة المدعوّة إلى سماع كلمة الربّ المحرّكة للعظام.
نادى الربّ الكنيسة - المخلّع بعطيّة مجّانيّة منه. فالمخلّع كان يجهل حتّى اسم يسوع. ومن بعد اللقاء، ومن دون أيّ نصّ إعلان للإيمان، شُفي المخلّع، ثمّ دخل في مرحلة التعليم المستمرّ عبر إذاعة التجربة الخاصّة به أوّلًا، تليها المجاهرة بهذا الاختبار أمام السلطة الدينيّة أو الزمنيّة.
السامرّيّة تمثّل الكنيسة التي تبحث في عمق البئر في هويّة يسوع، ولا تتوانى في كسر المحرّمات الاجتماعيّة الفاصلة بين الناس، وتتحوّل هذه المرأة إلى مبشّرة لأهلها رغم إعاقتها كامرأة (وضع المرأة في ذلك العصر) وإعاقتها الاجتماعيّة كسامريّة (العداوة مع اليهود) وإعاقتها الأخلاقيّة (كمشتبه بأنّها زانية).
مع الأعمى الذي لا يعلم من هو يسوع، وبطبيعة الحال لم يشهد على رؤيته قطّ، تتعلّم الكنيسة الصبر والأمانة لأيقونة يسوع-الخالق الذي يجبل الطين، فيخلق مقلتيْن من العدم.
يتربّع الأعمى على عرش من التناقضات، فكيف لمن كان علامة مسيانيّة لظهور المسيح المخلّص ألاّ يستطيع الإشارة بإصبعه إلى يسوع؟ اهتمّ من كان أعمى بتكرار شهادته متحمّلًا النبذ من المجتمع، وحتّى التهديد بقتل الجسد من جهة، بينما من جهة أخرى يقتصر سقف معرفته بيسوع بأنّه نبيّ، أو أقلّه ليس برجل خاطئ، وهذه أدنى درجات المعرفة بالمسيح.
الانتماء إلى يسوع يعطينا قوّة حبّ، وطاقة دفع كبيرتين، نستطيع بهما أن نكسر حواجز ضاربة في الزمن، أو إعاقات ولدنا بها، أو فرضها علينا المجتمع، أو فرضناها على أنفسنا بعدم قبول مغفرة اللَّه لخطايانا، فأصبحنا من بعدها عاجزين عن العودة إلى كمال فاعليّة الانتماء.
لا فضل لمعمّد على آخر، ما زال يسوع يعمل بواسطة الروح القدس مباشرة مع أناس كثر، يعلنهم لنا في أوقات الشدّة كتلاميذ حقيقيّين يسبقوننا إلى المقاعد الأولى الأقرب إلى قلب يسوع.
إفتح نفسك على عمل اللَّه المتعدّد الأنماط، ولا تميّز بين أولاده. صحيح أنّ هناك طرائق تقليديّة درجنا عليها، إلاّ أنّ الحياة مع يسوع ليست بحياة تقليديّة، وإنّما هي عمل انفتاح على عطيّة اللَّه