تشمل الأمراض الوراثيّة عددًا كبيرًا من الأمراض البشريّة. وتطوّر وسائل التشخيص والعلاج الجينيّة الطبّيّة يمكن أن يساهم في الوقاية من الأمراض والتخفيف من معاناة الكثير من الأشخاص. لكن يبقى من الضروريّ التذكّر أنّ الخلل الجينيّ ينتج أحيانًا من تجاهل مبادئ الأخلاق وعيش حياة فاسدة ما يؤدّي إلى معاناة الأجيال القادمة. يمكننا تخطّي التلاشي الآثم للطبيعة البشريّة بالجهد الروحيّ، لكن إذا طغت الخطيئة على حياة الأجيال المتتالية وازدادت قوّة تصبح كلمات الكتاب المقدّس عندئذٍ صحيحة: «عاقبة الجيل الأثيم هائلة». (الحكمة 3:19) و«طوبى للرجل المتّقي الربّ، المسرور جدًّا بوصاياه نسله يكون قويًّا في الأرض. جيل المستقيمين يبارك». (مزمور 122:1- 2) تاليًا أتت الأبحاث الجينيّة لتؤكّد الأحكام الروحيّة التي كشفتها كلمة اللَّه للبشر منذ زمنٍ بعيد.
بينما تلفت الكنيسة نظر الأشخاص إلى الأسباب الأخلاقيّة للأمراض من جهة، فهي ترحّب بجهود الأطبّاء في معالجة الأمراض الوراثيّة من جهةٍ أخرى. يجب ألّا يكون هدف التدخّل الجينيّ «تحسين» النسل البشريّ اصطناعيًّا أو التدخّل في خلق اللَّه، لذلك يمكن اللجوء إلى الهندسة الجينيّة فقط برضى المريض أو أحد الممثّلين الشرعيّين عنه، ووفق التشخيص الطبّيّ فقط. ويعتبر العلاج الجينيّ للخلايا التناسليّة خطيرًا للغاية لأنّه ينطوي على تغيير المجين (أي مجموعة الخصائص الوراثيّة) ضمن مصفّ الأجيال ما يؤدّي إلى حدوث نتائج غير متوقّعة تأتي على شكل تحوّلاتٍ جديدة وتزعزع التوازن بين المجتمع الإنسانيّ والبيئة.
أسهم التقدّم الحاصل في فكّ الرموز الجينيّة في وضع شروطٍ مسبقة حقيقيّة لإجراء فحصٍ جينيّ شاملٍ، بهدف اكتشاف معلوماتٍ عن الطبيعة الفريدة لكلّ إنسان، وإمكانيّة إصابته بمرضٍ معيّن. وقد يساعد الفحص الجينيّ عبر المعلومات التي يتوصّل إليها على تقليص إمكانيّة تطوير الأمراض التي قد يصاب بها الإنسان. رغم ذلك، لا نستطيع تجاهل خطر استخدام المعلومات الجينيّة لمختلف أشكال التمييز. كما أنّ حيازة معلوماتٍ جينيّة عن إمكانيّة إصابة أحد الأشخاص بمرضٍ مزمنٍ قد يتحوّل إلى عبءٍ على كاهل صاحب المعلومات. إذًا يصبح اللجوء إلى الفحص الجينيّ وحيازة المعلومات الجينيّة معقولًا فقط عندما تحترم حرّيّة الفرد.
أساليب التشخيص قبل الولادة
وتبقى هذه الأساليب غامضة أيضًا لأنّها قد تكشف عن بعض الأمراض الوراثيّة في مراحل مبكرة من النموّ داخل الرحم. قد يشكّل بعض هذه الأساليب خطرًا على حياة الجنين وسلامته وإذا كشف عن مرضٍ غير قابل للعلاج لدى الجنين، قد يدفع ذلك الأهل إلى إنهاء الحمل وممارسة الضغط عليهم ليقدموا على هذه الخطوة. يمكن اعتبار التشخيص قبل الولادة مبررًّا أخلاقيًّا إن كان يهدف إلى علاج مرضٍ شخصّ في المراحل المبكرة من الحمل، ولتهيئة الأهل لتقديم أفضل رعاية ممكنة للطفل المريض. لكلّ إنسان الحقّ في الحياة والحبّ والرعاية مهما كان المرض الذي يعانيه. فاللَّه نفسه هو «إله البائسين». ويعلّمنا الرسول بولس أن «تعضدون الضعفاء» (أعمال 20: 35). ويشبّه الرسول بولس الجسد بالكنيسة ويقول: «بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضروريّة». «وأمّا الجميلة فينا فليس لها احتياج». (1كورنثوس 12: 24، 22). لذا يبقى من غير المقبول استخدام أساليب التشخيص قبل الولادة بهدف اختيار الجنس الأفضل للجنين المستقبليّ.
استنساخ الحيوانات
إنّ طريقة استنساخ الحيوانات (أي إنتاج نسخاتٍ جينيّة منها) التي اخترعها العلماء تطرح أسئلة عدّة حول مدى مقبوليّتها ونتائجها المحتملة في حال نفّذت على البشر. قد يدمّر استنساخ البشر المجتمعات وهو أصلًا فكرة عارضها عدد من الأفراد. يفتح الاستنساخ فرصًا أكبر من تلك التي تفتحها تكنولوجيّات الإنجاب التي تتلاعب بالمكوّن الجينيّ للشخصيّة وتقلّل من شأنها. لا يحقّ للإنسان أن يقوم بدور خالق البشر أو أن يختار نماذجهم الجينيّة فيحدّد تاليًا خصائصهم الشخصيّة بتصرّفه. ويعتبر مبدأ الاستنساخ تحدّيًا للطبيعة البشريّة ولصورة اللَّه التي خلقت على مثالها أي تحدّيًا لحرّيّة الفرد وفرادته ككلّ. ورغم هذا الرفض، قد يرحّب أتباع الإيديولوجية التوتاليتريّة بفكرة «نسخ» الأشخاص بمعايير محدّدة.
استنساخ البشر
قد يفسد هذا الاستنساخ الأسس الطبيعيّة للإنجاب وصلة الدم ومبدأ الأمومة والأبوّة، إذ قد تصبح الطفلة أختًا لوالدتها أو قد يصبح الطفل أخًا لوالده أو حتّى ابنًا أو ابنةً للجدّ. ولا تقلّ النتائج النفسيّة للاستنساخ خطورةً عمّا ذكرناه، لأنّ الإنسان الذي ولد من جرّاء هذه العمليّة لن يشعر بأنّه شخص مستقلّ بل مجرّد «نسخة» عن شخصٍ حيّ أو عاش قبله. ينبغي الأخذ بالاعتبار أنّ تجارب الاستنساخ البشريّ ستنتج حتمًا «نواتج ثانويّة» وحيواتٍ غير كاملة أو قد تؤدّي حتّى إلى عدم استدامة الذرّيّة. وفي الوقت عينه، أثبت استنساخ الخلايا العضويّة المعزولة والأنسجة أنّه فعّال في علم الأحياء والطبّ في الكثير من الحالات ولا يعدّ تعدّيًا على كرامة الفرد.
زرع الأعضاء
يسهّل علم زرع الأعضاء الحديث (وهو النظريّة لزرع الأعضاء والأنسجة وسبل تطبيقها) توفير المساعدة الفعّالة لعددٍ من المرضى الذين يواجهون الموت المحتّم أو يعانون إعاقة حادّة. وفي وقتٍ تطوّر فيه هذا الفرع من الطبّ وزادت الحاجة إلى الأعضاء الأساسيّة، نتجت منه مشاكل أخلاقيّة وأصبح يشكّل تهديدًا محتملًا على المجتمع. وبالمقابل، أحدثت الدعاية غير الأخلاقيّة للتبرّع بالأعضاء و«تسليع» زرعها، بروز الأفكار النمطية للاتّجار بالأعضاء ما يهدّد حياة البشر وصحّتهم. ترى الكنيسة أنّه لا يجوز اعتبار أعضاء الجسد كسلعٍ تباع وتشترى. ويجب أن يحصل زرع الأعضاء الآتية من شخصٍ حيّ فقط من طريق التضحية الطوعيّة بالنفس لصالح حياةٍ أخرى. في هذه الحالة، يصبح القبول باستئصال الأعضاء (استخراج العضو من جسد المتبرّع) تجسيدًا للحبّ والتعاطف. ومع ذلك، ينبغي إعلام المتبرّع المحتمل بآثار استئصال الأعضاء على صحّته، لأنّ الاستئصال الذي يعرّض حياة المتبرّع للخطر يبقى مرفوضًا أخلاقيًّا. الممارسة الأكثر شيوعًا في مجال زرع الأعضاء هي أخذ الأعضاء من شخصٍ توفّي للتوّ، لأنّها تقصي احتمال موت المتبرّع أثناء عمليّة استئصال أعضائه. لا يجوز الإسراع في إنهاء حياة شخصٍ ما عبر حرمانه من الأساليب العلاجيّة بهدف إطالة عمر شخصٍ آخر.
تعترف الكنيسة بإيمانها بقيامة الموتى بالجسد مستندةً بذلك إلى تعاليم الكتاب المقدّس (إشعياء 26:19، رومية8:11، 1كورنثوس15:42؛ 15:44؛ 15:52). وتتلو الكنيسة خلال مراسم الدفن المسيحيّة الصلوات التي تنفع جسد الميت. ومع ذلك، ينظر إلى التبرّع بالأعضاء والأنسجة بعد الوفاة كتعبيرٍ عن المحبّة ويظهر الوجه الآخر للموت. لكن لا يمكننا أن نعتبر التبرّع أو النيّة بالتبرّع كواجبٍ مفروض علينا، وتاليًا تصبح موافقة المتبرّع المسبقة شرطًا أساسيًّا ليتمّ استئصال أعضائه قانونيًّا وبطريقةٍ مقبولة أخلاقيًّا. وفي حال لم يكن الأطبّاء على علمٍ بنيّة الفقيد بمنح أعضائه أو لا، عليهم أن يسألوا أحد أقربائه إذا لزم الأمر. أمّا التذرّع بالقبول التخمينيّ بوهب الأعضاء وهو مبدأ منصوص عليه في تشريعات بعض البلدان، فتعدّه الكنيسة انتهاكًا صارخًا لحرّيّة الإنسان.
عبر عمليّة زرع الأعضاء، يحاول المتلقّي أن يدمج الأعضاء والأنسجة الجديدة التي يتلقّاها في كيانه الروحيّ والجسديّ. لذلك، لا يمكننا تقديم أيّ تبرير أخلاقيّ لعمليّة زرع أعضاء تهدّد هويّة المتلقّي وتؤثّر في فرادة شخصيّته كإنسانٍ تحت أيّ ظرفٍ كان. ينبغي أن نبقى متيقّظين لهذا الشرط عندما تستخدم أعضاء الحيوانات وأنسجتها في عمليّة الزرع.