العدد الثالث - سنة 2021

05 - أديان - الكلمة في الديانات غير المسيحيّة - شيرين رزق - العدد 3 سنة 2021

تمهيد

الدين ضرورة حياتيّة يطبع الإنسان، بل يسيّر حركة حياته ونمائه وفق قواعده، والتديّن موقف أساس من مواقف القيّم الإنسانيّة، بل من أعظمها والتي لا تُمنح للإنسان إلاّ باللَّه.

عبر تاريخ الإنسانيّة لا يوجد قوم عاشوا من دون أن يؤمنوا بديـن أو ينقادوا إلى عبادة وطقوس، لذلك فالفكرة الدينيّة منتشرة بين جميع الشعوب والأقوام البدائيّة أو المتحضّرة، كالبابليّين (بعل وعشتار) والسومريّين (انـو وانليل) والفرس (أمورامزدا) والهنود (برهما، شيفا، بوذا...). ولهذا ذكر مؤرّخو الحضارات وتاريخ الأديان أنّ الدين من العوامل التي سيطرت على البشر، وأنّ التحسّس الدينيّ من الخواصّ اللازمة لطبائعنا الراسخة، ومن المستحيل أن نتصوّر ماهيّة الإنسان من دون أن تتبادر إلى ذهننا فكرة الدين. فالكتب السماويّة (التوراة، الإنجيل، القرآن) تؤكّد هذه الحقيقة السرمديّة.

اللَّه في الديانات المختلفة

 سأستعرض بعض الأبحاث التي تدلّ على وجود اللَّه الكلمة المبذورة في الكتب المقدّسة لنرى أنّ اللَّه خلق الانسان على صورته ومثاله، ورغم تشويه الخطيئة لصورة الإنسان نتيجة السقوط، إلّا أنّنا نرى أنّ جميع الخلائق تتوق إلى الخالق الأعلى لتضرع إليه، وتحيا الخير والسلام بالخضوع والعبادة التي تنوّعت بشعائر وطقوس وتقديم ذبائح وقرابين لتمجيد الآلهة.

 قديمًا سعى الإنسان إلى الغوص في الماورائيّات وما فوق الطبيعة وعالم الغيب، وكانت قوى الطبيعة الجبّارة مصدرًا لخوف الإنسان فلجأ إلى اعتبارها آلهة لا بدّ من مخاطبتها وعبادتها والخضوع لها، اتّقاءً  لشرّها واعتبارها الإله المطلق لجلب الرحمة على الشعب وإبعاد خطر الموت عنه.

فعند المصريّين القدامى نجد الملك أمنحوتيب يقول لآتون إله الشمس: «يا أيّها الإله الأوحد خلقت الأرض حسب رغبتك والناس جميعًا، أنت معطي النفس، أنت الحيّ الذي كنت في أزليّة الحياة عندما تشرق فأشعّتك يا أتون تحيط بالأرض كلّها».

 الديانات الإبراهيميّة:

اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة

اللَّه في الديانة اليهوديّة:

  اللَّه هو خالق الكلّ وهو إله واحد لا جسد له ولا يتجزّأ ولا مثيل له، هو السبب الأساس في كلّ الوجود، ويجب عبادته هو فقط. كما هو المتسلّط الأوحد على الكون. ويؤمن اليهود بأنّ اللَّه يلاحظ تصرّفات البشر، ويكافئ الناس على الأعمال الصالحة ويعاقب من يفعل الشرّ. وحسب التقاليد اليهوديّة الجانب الحقيقيّ للَّه غير معلوم أو غير مفهوم، والجانب المعلوم للَّه هو ما يتجلّى في خلق الكون والموجودات.

يؤمن اليهود أيضًا بأنّ اللَّه هو إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وسلمت إسرائيل من العبوديّة في مصر بمشيئته، وأعطاهم الوصايا العشر في جبل سيناء بواسطة موسى النبيّ. ويتواصل مع الشعب اليهوديّ ويخاطبهم عبر الأنبياء. يطلق اليهود على اللَّه اسم يهوه والذي يعني «الواحد واجد النفس».

وفي التقاليد اليهوديّة اسم آخر للَّه هو إلوهيم، وهذا المسمّى يتعلّق بالتفاعل بين اللَّه والكون.

 الدين في الإسلام

 أساس الإسلام هو الإيمان بالإله الواحد وهو اللَّه، الدائم، الحيّ الذي لا يموت، ولا يغفل، عادل لا يظلم، لا شريك له. رحمان رحيم، يغفر الذنوب ويقبل التوبة ولا يفرّق بين البشر إلّا بأعمالهم الصالحة، وهو خالق الكون والمتحكّم فيه. اللَّه ليس أحد مثله مغاير تمامًا لكلّ مخلوقاته وبعيد عن تخيّلات البشر.

  وللَّه في الإسلام أسماء عدّة  تُعرف «بالحسنى»، وتدلّ على مدح اللَّه وحمده وثنائه وتمجيده. ومنها الملك، القدّوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، القابض، الباسط، الوكيل، الأوّل، الرؤوف، ذو الجلال والإكرام، وغيرها.

في القرآن اليهود والمسيحيّون هم من أهل الكتاب، ويقرّ المسلمون بوجودهم في المجتمع الإسلاميّ ويميّزون بشكل خاصّ المسيحيّين، ويذكرون صراحة أنّهم الأكثر مودّة للمسلمين ونرى ذلك واردًا في القرآن:

أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ

آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ

وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ

وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ أولئك من الصالحين (آل عمران 213).

يكرم القرآن أيضًا الإنجيل ويعتبره كتابًا سماويًّا منزلًا ويسمّيه «الكتاب المنير» وهدى ونور الإيمان لكونه منزلًا من عند اللَّه.

 يسوع في القرآن يدعى عيسى ويسمّيه كذلك المسيح، ويلازم القرآن وصفه بابن مريم، وهو نبيّ ومؤيّد بالروح القدس، وبشّرت الملائكة به مريم بكلمة من اللَّه، ويدعى وجيهًا في الدنيا والآخرة وجاء بالحكمة، ويذكر القرآن عددًا من أعمال يسوع ومعجزاته. ويشدّد القرآن على وصف المسيح بالبشريّة ويشبّهه بآدم حيث خلقهما اللَّه من تراب ثمّ نفخ فيهما من روحه وتشير سورة الأنبياء 91 إلى عذريّة مريم وحملها بأمر اللَّه من دون وجود ذكر، وتختم بالإعلان أنّ يسوع وأمّه هما آية للعالمين؛ بيد أنّ القرآن يرفض ألوهيّة يسوع ويصفه بعبد اللَّه، والإيمان بالمسيح يدخل في الركن الرابع من أركان الإيمان في دين الإسلام. وأبناء الطائفتين الشيعيّة الإسماعيليّة والعلويّة يؤمنون باللَّه وبيوم القيامة والحساب.

الطائفة الإباضيّة تؤكّد صفات الكمال للَّه في جوهره، فالإسلام بالنسبة إليها الإيمان والورع وتنفي رؤية اللَّه، فاللَّه خلق الإنسان وله القدرة والإرادة الحرّة، فسيحاسب على أعماله الصالحة.

تشدّد الطائفة المعتزلة على توحيد اللَّه وتنزيهه المطلق، وعلى أنّ الجنّة ستفنى  وكذلك النار وكلّ سكّانهما حتّى يبقى في الوجود اللَّه وحده.

 اللَّه في الأديان المقارنة:

يهتمّ علم الأديان المقارنة بالموازنة بين العقائد والممارسات في أديان العالم. لكنّ الدراسة المقارنة للأديان تؤدّي إلى فهم أعمق للاهتمامات الفلسفيّة الأساسيّة وراء الطبيعة والأخلاق والحكمة، وتشير إلى طبيعة الخلاص وشكله.

  الأديان الهنديّة

الديانة الهندوسيّة: نظريّة الخلق تقول حسب الفيدة الهنديّة: هناك آلهة عدّة منها الإله أندريا الخالق المنظّم، له سلطة فوق الطبيعة. والإله رودا: إله الموت والرعب. الإله أغني: إله النار، عالم بكلّ شيء، يقود الناس إلى برّ الأمان، وهو الوسيط مع الآلهة. الإله براهما: هو الخالق والمخلوق بالوقت عينه، إله الخير والحياة ويسود على الآلهة الأخرى، فبراهما هو الأبديّ اللامحدود اللامتناهي، هو الربّ العظيم. الإله شيفا: إله الحياة والموت والدمار. الإله فيشنو: الإله الأسمى الموجود خالق الكون وحارسه تتجسّد الألوهيّة عبره. إذًا الديانة الهندوسيّة تؤمن بخالق مصدر الخير، والروح الأزليّة المستمرّة التي لا خلاص لها إلّا باتّحاد النفس بالبراهمان إله الآلهة، وبهذا تكون الروح البشريّة جزءًا من الإله.

 الديانة البوذيّة

أوجد معتقداتها بوذا وقام بنشرها مع تلاميذه.لا ينكر وجود خالق ولا يقبل به بل يدعو إلى التأمّل بمفهوم الألوهيّة، أي الله وبالممارسات الروحيّة للوصول إلى النرفانا، أي حالة الاستنارة التي يرى فيها اللامولود، اللاصائر، وبه يتمّ الانعتاق والتحرّر المطلق، فالبوذيّة لا تقوم على الإيمان البحت بل تضع وزنًا لموضوع الوصول إلى النرفانا.

الديانة الزرداشتيّة: تقول إنّ الروح العظيمة (زورفان) هو الربّ الأعلى ينجب ابنين هما: (اهورافردا) أي الربّ الحكيم ومصدر الخير والنور والذي يخلق الحياة والعالم، وابنه الثاني (سبنتامانيو) روح الحكمة.

الديانة الكونفوشيوسيّة في الصين:

نعمت الصين بكثرة حكمائها قبل الميلاد، فالناس تتجمّع حولهم للحصول على المعرفة الحقيقيّة.

الكونفوشيوسيّة: فلسفة دينيّة تركّز على مفهوم الشرق الآسيويّ للطاو (السبيل). أنشأ هذا المفهوم مجموعة كبيرة من الأديان بما في ذلك الطاويّة والكونفوشيوسيّة.

مؤسّسها كونفوشيوس من معتقداتهم:

الإيمان بإله السماء وإله الأرض ويعبد الناس من الطبقة العليا إله السماء والطبقة الدنيا تعبد إله الأرض، والأمبراطور هو ابن السماء.

الإيمان بوجود ملائكة مقدّسة وتكريمها.

هناك قدر متحكّم في الأشياء فعندما تزداد الذنوب يعاقب إله السماء.

هدف الدين إصلاح المجتمع ورفعه إلى مستوى أخلاقيّ مثاليّ سامٍ.

 بعد استعراض ما تؤمن به الأديان غير المسيحيّة، نجد أنّ باستطاعتنا أن نتلمّس عبرها الكلمة اللَّه المبذورة في تلك الديانات.

 كلمة اللَّه في الديانة المسيحيّة

بطوائفها كافّة.

اللَّه هو إله واحد، منذ الأزل وإلى الأبد، غير مدرك، كلّيّ القدرة والعلم، وهو خالق الكون والمحافظ عليه.

  خلق الإنسان بدافع حبّ محض.

 اللَّه متعال عن كلّ مخلوق، فهو «يسمو على كلّ خليقة، لا يحدّه عقل، لا يرى، ولا يُدرَك بتصوّراتنا البشريّة. لا نستطيع أن نعرف ماهيّة اللَّه، بل ندرك صفاته، كعدم الاستحالة.

تقدّم المسيحيّة ما هو ضروريّ لمعرفة اللَّه والخلاص، والعقل يدرك وجود خالق عبر الخليقة.

 وأنّ اللَّه الواحد هو في ثلاثة أقانيم اللَّه ضابط الكلّ، خالق السماء والأرض كلّ ما يرى وما لا يرى، وبربّ واحد يسوع المسيح ابن اللَّه الوحيد المولود من الآب قبل كلّ الدهور، إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق مساوٍ الآب في الجوهر الذي به كان كلّ شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنّس وصلب عنّا وتألّم وقبر وقام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب وسيأتي بمجدٍ ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه.

ونؤمن أيضًا بالروح القدس المنبثق من الآب الذي هو مع الآب والابن، مسجود له وممجّد الناطق بالأنبياء... على اسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.  

اللَّه محبّة لم يرتض أن ينفصل الإنسان عنه، فأرسل ابنه الوحيد وتجسّدت كلمته بيسوع المسيح لخلاص جنس البشر من سلطة الخطيئة، وقام ليقيمنا معه لننال الخلاص بنعمة روحه القدّوس لنيل الحياة الأبديّة. يستهلّ يوحنّا اللاهوتيّ إنجيله بالآية التي تترجم المسيحيّة: «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللَّه، وكان الكلمة اللَّه»

Loading...
 

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search