الأنافورا الأورشليميّة في القرن الرابع
ميكال ساسين
وصلت إلينا خمس عظات تشرح للمعمَّدين حديثًا ما يتعلّق بالمعموديّة التي نالوها ليلة الفصح، وبالليتورجيا الإفخارستيّة التي بدأوا يشاركون فيها. وتختلف المخطوطات في صاحب هذه العظات بين كيرلّس الأورشليميّ (بين 348 و386م) أو خلفه يوحنّا الأورشليميّ (386- 417).
وتمّ، في العظة الخامسة، شرح خدمة الليتورجيا الإفخارستيّة (أي القسم الثاني من القدّاس الإلهيّ الذي يلي العظة). وما يهمّنا هنا هو وصف الأنافورا بغية التعرّف إلى تطوّراتها في تلك المرحلة المهمّة من مراحل تطوّرها.
وصف الخدمة
فبعد رتبتين استعداديّتين: غسل الأيدي وتبادل القبلة السلاميّة، يبدأ الحوار التمهيديّ:
+ «إرفعوا قلوبكم إلى العلاء».
الشعب: «رفعناها إلى الربّ».
+ «لنشكرنّ الربّ».
الشعب: «لمستحَّقٌ وواجبٌ».
ثمّ يباشر مترئّس الخدمة بتلاوة الأنافورا، التي يصفها الشارح كما يلي:
«ونذكر بعد هذا السماء والأرض والبحر، الشمس والقمر والنجوم، وكلّ الخليقة العاقلة وغير العاقلة، المنظورة وغير المنظورة، الملائكةَ ورؤساءَ الملائكة، القوّات والسيادات، الرئاسات والسلاطين، والعروش والكروبَينِ الكثيري الوجوه (حزقيال ١٠: ٢١). ونقول بحماس مع داود: «عظّموا الربّ معي» (مزمور ٣٣: ٤). ونذكر كذلك السروفَينِ اللذين رآهما أشعياء بالروح القدس، قائمَينِ حول عرش اللَّه، فبجناحين يستران الوجه وبجناحين يستران الأرجل وبجناحين يطيران، ويصرخان قائلين: «قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الصباؤوت» (أشعياء ٦: ٢ و٣)». ويعلّق: «نحن نرنّم هذا النشيد الذي وصل إلينا من السروفَينِ، حتّى، باشتراكنا في هذا النشيد، نكون مشاركين الأجناد السماويّة». ويتابع: «ثمّ بعد أن نكون قد تقدّسنا بهذه الأناشيد الروحيّة، نتوسّل إلى اللَّه المحبّ البشر أن يرسل الروحَ القدس على (القرابين) السابق وضعها، لكي يجعل الخبزَ جسدَ المسيح، والخمرَ دمَ المسيح». ويعلّق: «فكلّ ما يلمسه الروح القدس يتقدّس ويتغيّر».
ثمّ يذكر أنّه بذلك تكون قد تمّت «الذبيحة الروحيّة والعبادة غير الدمويّة».
وأنّه «على هذه الذبيحة التكفيريّة» تتمّ الذكرانيّات والتوسّلات لأجل سلام الكنيسة والعالم ولأجل الأحياء والراقدين:
«وعلى هذه الذبيحة التكفيريّة نتوسّل إلى اللَّه من أجل السلام العامّ في الكنائس، من أجل خير العالم، من أجل الملوك والجند والحلفاء، من أجل المرضى والمحزونين. وبوجه عامّ، من أجل كلّ الذين هم في حاجة إلى معونة، نصلّي أيضًا جميعنا ونقدّم هذه الذبيحة.
وبعد ذلك، نذكر أيضًا جميع الذين رقدوا: أوّلاً البطاركة (هم إبراهيم وإسحق ويعقوب) والأنبياء، والرسل والشهداء، لكيما، بصلواتهم وشفاعاتهم، يقبل اللَّه طلباتنا.
ثمّ نصلّي من أجل الآباء الأساقفة القدّيسين الذين رقدوا، وعمومًا لأجل جميع الذين رقدوا قبلنا«.
هيكليّة الأنافورا الأنطاكيّة (380م)
تتضمّن الأنافورا، التي أوردها أسقف أنطاكية في الكتاب الثامن من مجموعته القانونيّة «النظم الرّسوليّة» العام 380م، تتضمّن الهيكليّة التالية:
١- الجزء الأوّل
أ- تسبحة اللَّه والإشادة به وبأعماله: 1. كخالق و2. كمخلّص (أعمال اللَّه الخلاصيّة في العهد القديم)؛ 3. ويتوّج ذلك بإنشاد التسبحة الملائكيّة: قدّوس.
ب. الإشادة بالخلاص الذي تمّ بتجسّد المسيح ابن اللَّه، ويتوّج بسرد خبر العشاء الأخير.
٢- الجزء الثاني
أ. تقديم قربان الكنيسة: الخبز والخمر، ذاكرين موت الربّ يسوع على الصليب ذبيحة لأجلنا.
ب. استدعاء الروح القدس، ليقدّس القرابين.
ج. توسّل كيما تكون المناولة لخير المتناولين ووحدتهم، وتطلّعًا إلى المساهمة في الحياة الأبديّة.
ملحق: التوسّلات.
الاستنتاجات
إذا قابلنا الأنافورا الأورشليميّة الموصوفة في هذه العظات، بأنافورات «عائلة الأنافورات الأنطاكيّة»، نجد أنّ الأنافورا الأورشليميّة في النصف الثاني من القرن الرابع أو في مطلع القرن الخامس، كانت تخلو من:
- الإشادة بأعمال اللَّه الخلاصيّة في العهدين القديم والجديد.
- سرد خبر العشاء الأخير.
- تقديم القرابين (الخبز والخمر) ونحن ذاكرون موت الربّ يسوع على الصليب ذبيحة لأجلنا.
وكانت الأنافورا الأورشليميّة في تلك المرحلة، وقبل أن تتطوّر إلى الأنافورا المسمّاة «أنافورا مار يعقوب أخي الربّ»، تقتصر على: 1. تسبحة اللَّه الخالق، 2. ذكر العبادة السماويّة وإنشاد »قدّوس ...»،
- استدعاء الروح القدس لتقديس الخبز والخمر.
ومن بعد انتهائها ألحقت بها: التوسّلات والطلبات.
وصف الأنافورا الأورشليميّة الذي تتضمّنه العظات التعليميّة الأورشليميّة، له أهمّيّة كبرى في إلقاء الضوء ليس على تطوّر الأنافورا الأورشليميّة فحسب، بل أيضًا على تطوّر الأنافورا في كنيستي الإسكندريّة وروما في تلك المرحلة.n