اسألوا، اقرعوا، اطلبوا
الأب سمعان أبو حيدر
في العظة عن الصلاة، يدعونا يسوع إلى ثلاثة مناهج: »اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم. لأنّ كلّ من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له« (متّى ٧: ٧- ٨؛ لوقا ١١: ٩).
تحتوي هذه الدعوة »الثلاثيّة« إلى الصلاة، ما يمكن فهمه على أنّه يشير إلى تصنيف معيّن - لحالات متفاوتة - تتمّ الصلاة عبرها. عند المباشرة بالصلاة، لا ينطلق كلّ الناس من المسافة ذاتها، تبعًا لقربهم من اللَّه أو ابتعادهم عنه. قد ترقى «المسافة» التي تفصل الإنسان عن اللَّه، لدرجة ما، إلى روحيّة الصلاة والشكل الذي ستتّخذه.
وهكذا، عندما يقول يسوع، »اسألوا تعطوا«، هو يفترض أنّ السامع قد يعرف كيف يسأل. فهو بالفعل على بيّنة من إمكانيّة وصوله إلى اللَّه. هو مرتاح لقواعد الصلاة وأليف معها. كأنّه يتّبع نصيحة أشعياء بسهولة: »اطلبوا الربّ ما دام يوجد. ادعوه وهو قريبٌ« (أشعياء ٥٥: ٦). ويتذكّر إنسانٌ كهذا، التأكيد الجريء لكاتب المزمور: »الربّ قريبٌ لكلّ الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحقّ« (مزمور ١٤٤: ١٨ سبعينيّة).
يصلّي هذا الإنسان لإيمانه بأنّه في المسيح لديه «قدوم في روحٍ واحدٍ إلى الآب» (أفسس ٢: ١٨). وهو يعلم أنّه في المسيح، وعبر الإيمان به، قد نقترب من اللَّه «الذي به لنا جراءةٌ وقدومٌ بإيمانه عن ثقةٍ» (٣: ١٢).
هذا الإنسان الذي قال له الربّ: «اسألوا»، لا بدّ من أنّه قريب جدًّا من الربّ، لدرجة أنّ صلاته قد تكون بلا جهد يذكر. هو اعتاد الصلاة، وربّما يصلّي باستمرار. اللَّه هو »على السمع« معه، وينتظر صلاته ببساطة في كلّ حين. صلاته صلاة الألفة، ومرتاح هو في جرأته.
من جهة أخرى، البعض الآخر من الناس لا يأتي إلى الصلاة من هذا الموقف. وربّما هم لا يضرعون إلى اللَّه غالبًا. وقد يكون الحال أنّ صلاتهم أصبحت غير منتظمة بعض الشيء. وقد نمت الكلمات - بخاصّة مشاعر الصلاة - أقلّ حميميّة مع اللَّه. إلى هؤلاء الأشخاص يقول الربّ: »اقرعوا يفتح لكم«. ما يعني أنّ صلاة شخص من هذا النوع قد تتطلّب المزيد من الجهد والتركيز - هي ملزمة بأن تبذل جهدًا أكبر ومثابرة.
بالطبع، قرع الباب يشكّل خطوة أبعد من مجرّد السؤال، لأنّ بابًا مغلقًا يقف في طريقنا إلى اللَّه. الصلاة بالنسبة إلى هذه الفئة من الناس لم تبق مألوفة، ويبدو أنّ قاعدة النفس الإيمانيّة لديهم قد ضعفت. وبسبب ضعف عادة الصلاة لديهم، التي يبدو أنّها عادت غير مزروعة في أنفسهم، هم أقـلّ يقينًا من كلمـاتهم، وأقلّ أمانًا في ثقتهم، وغير أقوياء في إيمانهم. إنسان كهذا، يبدو أقلّ ميلاً إلى الصلاة. ويجب، إذًا، أن «يقرع». لأنّ قلبه قد نما باردًا، وصلاته تتطلّب جهدًا أكثـر مشـقّة. كما أنّ طرق الباب قد يخلّف كدماتٍ على يده.
ومع ذلك، على ما يبدو، فالشخص الذي »يقرع« لا يزال يعرف موقع »الباب« على الأقلّ. هو ما زال يذكر، حتّى الآن، كيفيّة العثور على الربّ. واضح لديه أين يجب أن يقرع. ورغم أنّه قد لا يكون على علاقة حميمة مع الربّ - فقد تكون عرائش الملاهي الدنيويّة البرّيّة قد حجبت الباب - لكنّه لم يفقد ذكرى موقع هذا الباب. صلاته قد تبدو أكثر بعدًا، ولكن ليست بالضرورة أقلّ يقينًا. مثل الابن الأصغر الذي ضلّ بعيدًا عن المنزل (لوقا ١٥)، هذا الابن الشاطر ما يزال يعرف عنوان الأب. لذلك، عند بدء رحلة الصلاة، قد يبدأ في التعرّف إلى بعض ملامح الطريق للوصول إلى العنوان الأبويّ.
من ناحية أخرى، يبدو أنّ الإنسان الذي نوع صلاته «اقرعوا»، له بعض الميزة على النوع الثالث ممّن عليهم سماع: «اطلبوا تجدوا». هذا الأخير، هو ليس فقط في حالة جفاء مع الربّ، بل هو غير متأكّد من موقع الباب حقًّا. شخص مثل هذا، لا يقال له أن يسأل، كما أنّه لا يعرف حتّى أين يجب أن يقرع. مهمّته المباشرة، عوضًا من ذلك، هي البحث (اطلبوا). صلاته سوف تتّخذ شكل السعي. يجب أن تجد أوّلاً الباب لكي تقرع. ولعلّه ضلّ كثيرًا عن اللَّه، حتّى إنّه لا يعلم بوجود باب.
هذا الإنسان، إذا كان له أن يصلّي، فقد نصحه يسوع بالبحث عن اللَّه. لقد قال له إنّه لن يبحث عبثًا، بطبيعة الحال، ولكن ليس لديه ضمانة أنّ البحث سيكون سهلاً. والواقع أنّ صلاته قد تتطلّب جهدًا أكبر من الإنسان الذي يقرع على الباب. عندما يتمّ دفع مثل هذا الإنسان إلى الصلاة، يمثّل هذا الدافع مطلع السعي.
لا يقف الجميع عند الدرجة ذاتها في ما يتعلّق بالصلاة، ولكن يقال لهم أن يصلّوا، وعدٌ مثل هذا يخدمهم جميعًا. الفرق هو في شكل الصلاة، لا الطريقة التي يسمع اللَّه بها الصلاة. لن يتمّ رفض أيّ من هذه الصلوات. للبعض سوف يعطون، وللآخرين سوف يفتح لهم، وللبعض الثالث سوف يجدون.
يختبر الناس تجربة اللَّه من مسافات مختلفة، ولكن في الحقيقة اللَّه قريب منهم جميعًا. هذه الاختلافات في الصلاة هي بالحقيقة تباينات بين الناس أنفسهم، وليست تمييزًا من اللَّه، الذي يسمع ويصغي إلى كلّ صوت موجّه إليه، سواء كان من صديق مقرّب، أو من أحد المعارف، أو من غريب بعيد. الربّ هو إله الجميع. وهو حريص على أن يسمع من كلّ واحد منّا. n