المجمع الأرثوذكسيّ الكبير-٦
الكنيسة الأرثوذكسيّة وقضيّة وحدة المسيحيّىن
جورج غندور
احتلّت قضيّة الوحدة المسيحيّة حيزًا مهمًّا من اهتمام البطريركيّة المسكونيّة في مطلع القرن العشرين. ففي الرسالة التي وجّهها البطريرك المسكونيّ يواكيم (الثالث) إلى رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة في العام ١٩٠٢ حول أهمّيّة عقد مجمع أرثوذكسيّ لمعالجة بعض المسائل التي تواجه الكنيسة الأرثوذكسيّة، اعتبر أنّ جدول أعمال هذا المجمع يجب أن يتناول قضيّة الوحدة المسيحيّة وعلاقات الأرثوذكس بالكاثوليك والإنجيليّين. لم تلق رسالة البطريرك التجاوب المطلوب، وبعد وفاته وفي العام 1920 وجّه المجمع المقدّس للبطريركيّة المسكونيّة رسالة إلى الكنائس الأرثوذكسيّة يعتبر فيها »أنّ لقاء الكنائس والشركة بينهم وتعاونهم في الخدمة يجب ألاّ يرفض بسبب الفوارق العقائديّة بينهم«. وتبعها بأخرى إلى جميع الكنائس المسيحيّة في العالم تقترح خطوات للتعاون في ما بينها عمليّة منها: »توحيد التقويم ولا سيّما في ما يختصّ بتعييد الأعياد الكبيرة، وتبادل الرسائل الأخويّة، وإقامة علاقات أخويّة بين ممثّلي الكنائس المقيمين في أمكنة مختلطة، وإقامة علاقات بين معاهد اللاهوت المسيحيّة وتبادل الطلاّب، وعقد مؤتمرات مسيحيّة مشتركة، السماح بتجنيز ودفن المسيحيّين المقيمين في بلاد غريبة لدى الكنائس الأخرى في حال عدم وجود كنيسة لطائفتهم، ودراسة مسألة الزواج المختلط بين الطوائف«.
أدّت الظروف التي شهدتها الكنيسة الأرثوذكسيّة والتي تلت القمّة الأرثوذكسيّة العامّة المنعقدة في اسطنبول في العام ١٩٢٣، إلى فرملة مبادرات البطريركيّة المسكونيّة بشأن الوحدة المسيحيّة. إلاّ أنّ هذا الموضوع لم يغب عن اجتماع اللجنة الأرثوذكسيّة التمهيديّة المنعقدة في دير الفاتوبيذي في حزيران ١٩٣٠. فقد تناولت قرارات هذه اللجنة، وللمرّة الأولى في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسيّة الحديث، مسألة الحوار مع الكنائس المسيحيّة الأخرى (القرار ٧). وميّزت بين نوعين من العلاقات: تلك التي ترتكز على روحية المحبّة الأخويّة وتلك التي تعتمد الحذر والموقف الدفاعي.
النوع الأوّل من العلاقات يتمّ مع الكنائس التي تسعى إلى التقارب مع الكنيسة الأرثوذكسيّة، ولا تعتمد الاقتناص وسيلة لإبعاد الأرثوذكس عن أحضان كنيستهم الأمّ. وهذه الكنائس تشمل ما يعرف بالكنائس الشرقيّة القديمة أي الأرمن والأقباط والأحباش واليعاقبة والكلدان من جهة، والأنغليكان والكاثوليك القدامى من بين الكنائس الغربيّة من جهة أخرى. ولعلّ سبب وضع الأنغليكان والكاثوليك القدامى على قدم المساواة مع الكنائس الشرقيّة القديمة يعود إلى التقارب الكبير الذي حصل بين الكنيسة الأرثوذكسيّة وهاتين الكنيستين في مطلع القرن العشرين، والذي فتح وعودًا بالوحدة القريبة ما لبثت أن تبدّدت لاحقًا نتيجة التباعد العقائديّ الناتج من تغيير هاتين الكنيستين لمواقفهما العقائديّة في ما يتعلّق بمسائل تعتبرها الكنيسة الأرثوذكسيّة جوهريّة.
أمّا النوع الثاني من العلاقات، فيشمل الكنائس التي تعمل لإلحاق الضرر بالكنيسة الأرثوذكسيّة عبر التبشير والاقتناص وتشجيع الحركات الانضماميّة. تتضمّن هذه المجموعة الكاثوليك والكنائس المنضمّة والكنائس المتفرّعة عن الإصلاح البروتستانتيّ بمختلف وجوهها وتفرّعاتها.
وما يلفت أنّ التقسيم المذكور لم يستند إلى أيّة أسس إكليزيولوجيّة، بل إلى كيفيّة تعاطي هذه الكنائس مع الكنيسة الأرثوذكسيّة.
برزت محاولة جادة في المرحلة التي تلت مؤتمر الفاتوبيذي، للانفتاح على الكنائس الأخرى ومحاولة فتح قنوات للحوار تهدف كما جاء في رسالة للبطريرك المسكونيّ موجهة إلى رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة : »إلى تعريف وهداية المساهمين بتلك الحركة من المذاهب المسيحيّة الأخرى بالإيمان الأرثوذكسيّ الذي تحتفظ به أدقّ محافظة وتفسّره أصدق تفسير؛ ومن جهة أخرى، الأخذ معهم رأسًًا لدرس الوسائل والطرائق التي يستطاع بها استئصال عناصر البغض والعداوة السائدة بين الشعوب«. لم تلق هذه المبادرات تجاوب الكنائس الواقعة تحت الحكم الشيوعيّ. وقد دعا البطريرك الروسيّ إلى قمّة أرثوذكسيّة انعقدت في موسكو في العام ١٩٤٨، غابت عنها الكنائس الناطقة باليونانيّة، واتّخذت قرارات تعبّر فيها عن رفضها للمشاركة في الحركة المسكونيّة، وتدين فيها البابويّة ومساعيها الانضماميّة. برغم حدّة اللهجة التي اتّسمت بها قرارات مؤتمر موسكو بشأن الحركة المسكونيّة إلاّ أنّ هذه الكنائس عادت وانخرطت بشكل فاعل في عمل مجلس الكنائس العالميّ لأسباب سياسيّة يضيق المقال بذكرها هنا.
جاء انتخاب البطريرك أثيناغوراس في السنة ذاتها، ليفتح صفحة جديدة في حياة الكنيسة الأرثوذكسيّة توّجت في العام ١٩٦١ بانعقاد المؤتمر الأرثوذكسيّ العامّ الأوّل في جزيرة رودوس والذي أقرّ لائحة مواضيع المجمع الأرثوذكسيّ الكبير. وقد تضمّنت فصلاً خاصًّا بعنوان علاقات الكنيسة الأرثوذكسيّة بالعالم المسيحيّ ينصّ على »دراسة سبل التقارب والوحدة بين الكنائس من وجهة نظر أرثوذكسيّة جامعة«. أما من حيث التقارب بين:
١- الأرثوذكسيّة والكنائس الشرقيّة، فيوصي بالقيام بعلاقات صداقة بهدف إعادة الوحدة معهم، كتبادل الزيارات والأساتذة والطلاّب؛ وباتّصالات على المستوى اللاهوتيّ؛ وبدارسة تاريخ هذه الكنائس وإيمانها وتنظيمها وعباداتها؛ والتعاون مع هذه الكنائس عمليًّا في الاجتماعات المسكونيّة وفي المسائل ذات الطابع العمليّ.
٢- الأرثوذكسيّة والكنيسة الكاثوليكيّة، فيوصي بدراسة النقاط الإيجابيّة والسلبيّة بين الكنيستين، في ما يخصّ الإيمان وفي ما يخصّ إدارة الكنيسة، وفي ما يخصّ نشاطات الكنيسة الكاثوليكيّة وبشكل خاصّ الدعاية والاقتناص والانضماميّة؛ وبدفع العلاقات بروح المحبّة المسيحيّة ضمن الرؤية التي نصّ عليها منشور البطريرك المسكونيّ الرعائيّ الصادر العام ١٩٢٠.
٣- الأرثوذكسيّة والكنائس والجماعات المتفرّعة عن حركة الإصلاح البروتستانتيّة، فيفرّق بين الجماعات البعيدة عن الأرثوذكسيّة (الكنيسة اللوثريّة، الكنيسة الكلفينيّة، وكنيسة الميتوديست والجماعات البروتستانتيّة الأخرى)، الكنائس الأقرب إلى الأرثوذكسيّة (الكنائس الأسقفيّة بشكل عامّ والكنيسة الأنغليكانيّة). ويوصي بدراسة إمكانيّات تقوية العلاقات والتقارب بشكل خاصّ مع الكنائس الأسقفيّة والأنغليكانيّة مع الكنيسة الأرثوذكسيّة على ضوء التقدّم المحقّق.
٤- الأرثوذكسيّة والكاثوليك القدامى، فيوصي بمتابعة العلاقات مع الكاثوليك القدامى على ضوء النقاشات اللاهوتيّة المحقّقة حتّى الآن، والإعلانات والميل إلى تحقيق الوحدة مع الكنيسة الأرثوذكسيّة.
٥- أمّا بشأن الكنيسة الأرثوذكسيّة والحركة المسكونيّة، فيشدّد على حضور الكنائس الأرثوذكسيّة ومشاركتها في الحركة المسكونيّة على ضوء رسالة البطريرك المسكونيّ للعام ١٩٢٠؛ وعلى دراسة المواضيع اللاهوتيّة وغيرها من المواضيع التي لها رابط مع مشاركة الكنيسة الأرثوذكسيّة في الحركة المسكونيّة؛ وعلى معنى المشاركة الأرثوذكسيّة بشكل عامّ ومساهمتها في توجيه التفكير.
شكّل موضوع الحوار مع الكنيسة الكاثوليكيّة ومشاركة الأرثوذكس في أعمال المجمع الفاتيكانيّ الثاني محور مؤتمري رودوس الثاني والثالث المنعقدين في العامين ١٩٦٣ و1964، حيث تركت الحرّيّة لكلّ كنيسة مستقلّة بإرسال أو عدم إرسال مراقبين للمشاركة من غير الأساقفة والبدء بحوار مع الكنيسة الكاثوليكيّة على قاعدة المساواة. كذلك تمّ الاتّفاق على إنشاء لجنة لاهوتيّة أرثوذكسيّة مشتركة للحوار مع الأنغليكان وأخرى للحوار مع الكاثوليك القدماء.
أمّا المؤتمر الأرثوذكسيّ العامّ الرابع الذي انعقد في حزيران 1968 في المركز الأرثوذكسيّ في شامبيزي، فقد قام بمراجعة التقدّم المحقّق واقتراح ما يجب أن يتحقّق في المستقبل بالنسبة إلى علاقات الكنائس الأرثوذكسيّة مع الكنائس المسيحيّة الأخرى.
ففي ما يتعلّق بالعلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسيّة والكنيسة الكاثوليكيّة، تقرّر تمتين مظاهر المحبّة والاحترام بين هذه الكنائس من أجل تجاوز العوائق التي تعترض الحوار اللاهوتيّ على المستوى النظريّ، وتلك الناتجة من بعض الممارسات التي تقوم بها بعض الجماعات الكاثوليكيّة ضدّ الأرثوذكسيّين. والطلب من الكنائس الأرثوذكسيّة الاستمرار في التحضير المنتظم للحوار اللاهوتيّ مع الكنيسة الكاثوليكيّة، وأن تقوم كلّ كنيسة أرثوذكسيّة مستقلّة بدراسة تفاصيل الحوار بأفضل الطرائق والمنهجيّات البحثيّة اللاهوتيّة المتوفّرة، وبتبادل نتائج هذه الأبحاث وكلّ المعلومات المتعلّقة بهذا الموضوع.
أمّا بالنسبة إلى الحوار مع الأنغليكان، فقد قرّر المؤتمر أن تتمّ إعادة هيكلة لجنة الحوار المشتركة، ورفدها بعدد من اللاهوتيّين من أصحاب الاختصاص، بحيث تصبح لجنة أرثوذكسيّة لاهوتيّة دائمة تتولّى متابعة الحوار الأرثوذكسيّ الأنغليكانيّ. والطلب أن تتمثّل في لجنة الحوار الأنغليكانيّة جميع المدارس والأقسام الموجودة في هذه الكنيسة، على أن توضح الكنيسة الأنغليكانيّة، قبل بدء الحوار، بعض المسائل المتعلّقة بكيفيّة فهم الكنيسة الأنغليكانيّة لوحدتها في الإيمان مع الكنيسة الأرثوذكسيّة؛ وهل أنّ وحدة الكنيسة الأنغليكانيّة مع الكنيسة الأرثوذكسيّة ممكنة بعد قرار المشاركة في القدسات بين الكنيسة الأنغليكانيّة وبعض اللوثريّين وبعض الطوائف الأخرى؛ وما هي الطريقة التي تصبح عبرها جميع القرارات التي تُتّخَذ حول مواضيع الحوار إلزاميّة بالنسبة إلى اتّحاد الكنائس الأنغليكانيّة بمجملها. كذلك قامت اللجنة بصياغة لائحة بالمواضيع التي سوف تشكّل أساس الحوار مع الأنغليكان، وقد تألّفت من أربعة أقسام تشمل: المواضيع التي تمّ الاتّفاق عليها مع بعض الكنائس الأرثوذكسيّة، والمواضيع التي تمّت مناقشتها مع بعض الكنائس الأرثوذكسيّة من دون التوصّل إلى أيّة نتيجة، والمواضيع التي بدأت دراستها ولكن ليس بشكل كاف، والمواضيع التي سيتمّ بحثها للمرّة الأولى.
قرّر المؤتمر أيضًا أن تتمّ إعادة هيكلة لجنة الحوار مع الكاثوليك القدماء، ورفدها بلاهوتيّين من أصحاب الاختصاص بحيث تتحوّل إلى لجنة أرثوذكسيّة لاهوتيّة دائمة تتولّى القيام بالحوار عندما يلزم الأمر. والطلب من البطريرك المسكونيّ أن يدعو رئيس أساقفة أوتريخت إلى أن يرسل أو يحدّد النصوص العقائديّة والليتورجيّة المتّبعة في هذه الكنيسة، وأن يطلب أن يقوم الكاثوليك القدامى بكتابة إعلان إيمانهم بطريقة واضحة ورسميّة عبر نصّ محرَّر وموقَّع مجمعيًّا من قبل مطارنتهم ورعاتهم. يتولّى اللاهوتيّون في اللجنة مسؤوليّة إعداد تقارير مدروسة تتناول نقاط الاختلاف في التعليم المسيحيّ بين كنيسة الكاثوليك القدماء والكنيسة الأرثوذكسيّة، أو النقاط التي تتطلّب توضيحًا من الناحية العقائديّة.
في ما يتعلق بالكنائس اللاخلقيدونيّة، تقرّر الشروع بالحوار لأنّه يستجيب من جهة إلى الرغبة التي تمّ التعبير عنها، على المستوى الأرثوذكسيّ العامّ، خلال المؤتمر الأرثوذكسيّ الأوّل العام ١٩٦١، والمؤتمر الأرثوذكسيّ الثالث العام ١٩٦٤، وفي الرسائل الجوابيّة لرؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة على رسالة البطريرك أثيناغوراس المؤرّخة في ٩ حزيران ١٩٦٥، ومن جهة أخرى إلى إجماع الكنائس الشرقيّة القديمة التي عبَّرت عن رغبتها في الحوار والاتّحاد مع الكنيسة الأرثوذكسيّة، خلال مؤتمر أديس أبابا في العام ١٩٦٦.
يتولّى العمل التحضيريّ لهذا الحوار من الجانب الأرثوذكسيّ لجنة لاهوتيّة أرثوذكسيّة مشتركة تُستحدث لهذه الغاية، ويتمّ اختيار أعضائها من قبل الكنائس المحلّيّة من بين اللاهوتيّين أصحاب الاختصاص. وتقوم اللجنة اللاهوتيّة الأرثوذكسيّة المشتركة بإعداد لائحة بالمواضيع الإيمانيّة المشتركة وأخرى بنقاط الاختلاف بين الكنيسة الأرثوذكسيّة والكنائس اللاخلقيدونيّة، من النواحي العقائديّة والقانونيّة والليتورجيّة وغيرها. كذلك تقوم بتكليف أصحاب الاختصاص من اللاهوتيّين بإعداد دراسات لاهوتيّة حول نقاط الاختلاف، وبشكل أساس حول المواضيع المتعلّقة بالخريستولوجيا وسلطة المجامع المسكونيّة السبعة، وبشأن تنظيم مسألة وجود عدد من البطاركة في المنطقة ذاتها.
البدء باتّصالات مشتركة بين الأرثوذكسيّين واللوثريّين بهدف خلق علاقات فضلى وتهيئة الأرضيّة للحوار وأنّ هذا الحوار يجب أن يتمّ بين الكنيسة الأرثوذكسيّة والفدراليّة العالميّة اللوثريّة. ورأت أنّه من الضروريّ لإعداد الحوار أن يقوم اللاهوتيّون من أصحاب الاختصاص بدراسة المسائل والإشكاليّات التي يمكن أن تُطرح في معرض هذا الحوار، وبأن يتمّ استحداث لجنة لاهوتيّة أرثوذكسيّة مشتركة لتقوم في الوقت المناسب بالعمل على إعداد تفاصيل الحوار.
عبّر المؤتمر في ما يخصّ آليات الحوار بشكلّ عامّ، بأنّ لجان الحوار هي لجان تقنيّة وليست كنسيّة، ولذلك يجوز لكلّ لجنة منها أن تنتخب رئيسها وأمين سرّها. أمّا في ما يتعلّق بإطلاق عمل لجان الحوار هذه، فإنّه يتطلّب دعوة من البطريرك المسكونيّ بعد اتّفاقه مع رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة. يفوّض البطريرك المسكونيّ لاحقًا إلى رئيس كلّ لجنة صلاحيّة الدعوة إلى جلسات خاصّة بلجنته عندما تدعو الحاجة. أمّا أمين سرّ كلّ لجنة، فينقل نصوص ووثائق جلسات لجنته إلى أمانة سرّ المجامع في الكنائس المحلّيّة للاطّلاع. عندما تنتهي أيٌّ من هذه اللجان من عملها وتُحقّق ما هو مطلوب منها، يتمّ إرسال النتائج بواسطة أمين السرّ إلى جميع الكنائس المحلّيّة، يَرفع بعدها رئيسُ اللجنة تقريرًا عن عمل اللجنة إلى البطريرك المسكونيّ يُخطره عبره بأنّ اللجنة قد انتهت من عملها وبأنّها مستعدّة لبدء الحوار مع اللجنة المماثلة في الكنيسة الأخرى، على أن يقرّر البطريرك المسكونيّ، بعد التشاور مع رؤساء الكنائس الأخرى، تاريخ بدء الحوار الرسميّ. عندما يصل الحوار مع إحدى الكنائس غير الأرثوذكسيّة إلى نتيجة إيجابيّة، فقبْلَ أن يتمّ الإعلان عنها كنسيًّا بطريقة رسميّة، وقبل أن يتمّ ختم الحوار مع الكنيسة الأخرى بعمل عباديّ، يجب نشر نتائج الحوار وتوزيع التقارير عن مجرياته الكاملة، التي على أساسها تمّ الاقتناع بالوحدة بين الكنيستين، على صعيد واسع، بحيث يتاح لجميع المؤمنين في الكنيستين، وليس فقط للرعاة، الاطّلاع عليها. وهكذا تكون الوحدة المزمع حصولها ثمرة قبول عامّ من الإكليريكيّين والعوامّ.
أمّا في ما يتعلّق بمجلس الكنائس العالميّ، فقد أكّد المؤتمر أهمّيّة المشاركة في أعماله بكلّ الوسائل اللاهوتيّة وغير اللاهوتيّة المتاحة، وطلب أن يوظِّف ضمن ملاكه الوظيفيّ عددًا أكبر من اللاهوتيّين وغير اللاهوتيّين من الأرثوذكسيّين. ودعا جميع ممثّلي الكنائس الأرثوذكسيّة، من العاملين في المجلس أو المندوبين الدائمين لديه، أن يقوموا باتّصالات منتظمة في ما بينهم. كما أعرب عن رغبة الكنائس الأرثوذكسيّة في أن يكون في المجلس مقعد دائم لأمين سرّ أو مساعد أمين سرّ أرثوذكسيّ في »لجنة إيمان ونظام«، بحيث يتولّى الاتّصالات بين هذا القسم والكنائس الأرثوذكسيّة الأعضاء. واعتبر أنّه من الضروريّ أن يحضر المندوبون الأرثوذكس ويشاركوا في جميع لجان العمل التي تُشكّلها لجنة »إيمان ونظام«، وأن تتضمّن برامج مجلس الكنائس العالميّ واحتفالاته عبادات أرثوذكسيّة، يتمّ تحضيرها بعناية لتُدرج في هذه البرامج، وأن يقوم مكتب النشر في مجلس الكنائس العالميّ بتضمين »النشرة المسكونيّة«، والمنشورات الأخرى، بعدد كاف من المساهمات الأرثوذكسيّة بهدف تسهيل فهم المواقف الأرثوذكسيّة اللاهوتيّة. ولفت المؤتمر عناية الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة إلى أهمّيّة تأمين تنشئة منهجيّة وزيادة عدد الأرثوذكسيّين العاملين في الحركة المسكونيّة. أمّا في ما يتعلّق بالجمعيّة العامّة الرابعة لمجلس الكنائس العالميّ التي سوف تُعقد في أوبسالا، فقد رأى المؤتمر أنّه من الضروريّ، ومن أجل فاعليّة المساهمة الأرثوذكسيّة في هذه الجمعيّة، أن يتمّ تنظيم اجتماعات بين الوفود الأرثوذكسيّة المختلفة، وأنّه من المفضّل مشاركة مندوب أرثوذكسيّ على الأقلّ في كلّ نشاط من أنشطة الجمعيّة العامّة.
شكّلت قرارات المؤتمر الأرثوذكسيّ الرابع هذه، تقويمًا موضوعيًّا لتطوّر الحوار مع الكنائس المسيحيّة الأخرى، وأعطت دفعًا لاستمراره في المستقبل. وقد تضمّن جدول أعمال المجمع الذي أقرّه المؤتمر التمهيديّ الأوّل في العام 1976 بندين يتعلّقان بعلاقة الكنائس الأرثوذكسيّة بالعالم المسيحيّ، والكنيسة الأرثوذكسيّة والحركة المسكونيّة.l (يتبع).