2015

1. الافتتاحيّة: يونان الصوريّ: مستحقّ - غسّان الحاجّ عبيد – العدد السابع سنة 2015

 

يونان الصوري: مستحقّ

غسّان الحاجّ عبيد

 

مشكور المجمع الأنطاكيّ المقدّس لحسن اختياره، ومباركة للمطران الجديد أسقفيّته، بل مبارك لأبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما مطرانها الجديد. فيوم السابع من تشرين الأوّل العام 2015 سيبقى محفورًا في ذاكرتنا نحن الأنطاكيّين، لأنّه كان موعدنا مع الرجاء، الرجاء الذي من صفاته الجوهريّة أنّه لا يخيب. مرّة جديدة يضع مجمعنا الأنطاكيّ المقدّس الأمور في نصابها ويختار لأبرشيّة شاغرة راعيًا على حسب قلب اللَّه، راعيًا يتوقّع منه الذين يعرفونه أن يكون بحجم آمال المؤمنين »الحسني العبادة الأرثوذكسيّين« وتطلّعاتهم. مرّة جديدة يواجه مجمعنا الأنطاكيّ المقدّس قضيّة كنسيّة ويدرسها بفكر محض كنسيّ وروح محض مجمعيّة، ويتّخذ لها قرارًا يليق بكنيسة المسيح. مرّة جديدة يجتاز مجمعنا الأنطاكيّ المقدّس الامتحانات العسيرة، وما أكثرها، بل وما أعقدها، لا سيّما في تركيبتنا اللبنانيّة، ليؤكّد للجميع (لا سيّما الذين يعوزهم التأكيد) أنّ الشأن الكنسيّ يُقارب كنسيًّا بروح الجماعة المؤمنة، ويعالج بفكر المسيح، بمعايير محض كنسيّة، حيث اعتبار حقّ المسيح فقط وأن يُعطى المجد لاسمه وحده يتخطّى كلّ اعتبار آخر، بل يُسقط كلّ اعتبار آخر ويلغيه.

إنّ تعزيتنا بكم، يا آباءنا في المجمع الأنطاكيّ المقدّس، كبيرة، لأنّكم أحسنتم الإصغاء إلى »ما يقوله الروح للكنائس«، فاخترتم لأبرشيّة زحلة راعيًا مشهودًا له بالتقوى والمحبّة، وهما، بين قواعد الرعاية، القاعدتان الأوليان. »أتحبّني يا بطرس؟«، سؤال جوهريّ طرحه المعلّم على هامة الرسل ثلاثًا، ولمـّا سمع من بطرس، لثلاث على التوالي، الجواب الإيجابيّ، قال له: »إرع خرافي«. أن تحبّ يسوع، هو الشرط الأساس لتستأهل رعاية خرافه. وعندي أنّ يونان الصوريّ أجاب سيّده، ومن زمان، بهذا الحبّ. وعندي، تاليًا، أنّ آباءنا في المجمع الأنطاكيّ المقدّس لاحظوا فيه هذا الحبّ، فرفعوه إلى مقام الأسقفيّة، ليكون راعيًا لخراف يسوع الناطقة في أبرشيّة هي أحوج ما تكون إلى راعٍ يقدّم لها الحبّ هديّة وبرنامج عمل؛ يقول لها أحبّك باسم المسيح، المسيح وحده، ولأجل المسيح، المسيح وحده، ويقودها، بزخم هذا الحبّ وبركته، إلى »ينابيع الخلاص«.

من معجن الحبّ هذا يأتي يونان الصوريّ. يأتي مسلّمًا باثنين لا بدّ للأسقف منهما: الإيمان والمعرفة. كيف لا وهو الراعي والرقيب؟ وأنّى له أن يرعى ويراقب ما لم يكن ذلك بإيمان قويم يثبّت على صخرته نفسَه والرعيّة، ومعرفة قويمة تكون درعًا للإيمان وحصنًا؟ ولعلّ ما يعزّز ثقة عارفيه به وبأهليّته للأسقفيّة أنّه، منذ الطفوليّة، »اختار النصيب الصالح« (لوقا 10: 42)، ويعكف، على غرار تيموثاوس تلميذ بولس، على »الكتب المقدّسة« (2تيموثاوس 3: 14 و15). ولا عجب، فهو، منذ طفوليّته، ربيب هذه المدرسة النهضويّة التي اسمها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. أجل، في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة تربّى يونان الصوريّ (طوني الصوريّ قبلاً). على هذه كلّها، وسنة بعد سنة، أخذت هذه كلّها تتبلور في شخصه وشخصيّته وتثقفهما حتّى، إذا تجاوز اليفاع إلى الرشد، رأيناه في مصافّ المسؤولين الذين يُعوّل عليهم، لا سيّما في التعليم والإرشاد. فقد حباه ربّه موهبة إرشاديّة جعلته، إلى اليوم، قِبلة الكثيرات والكثيرين من الصبايا والشبّان العطاش إلى كلام الحياة الأبديّة، يقصدونه قصد من يرود الموئل ليرتوي. ولعلّ ما يعزّز الأهليّة الإرشاديّة عنده ثقافة عامّة يتمتّع بها تمكّنه من مخاطبة الشباب بلغة العصر، ومعرفة كتابيّة وآبائيّة لافتة تجعله قادرًا على استقاء التوجيه من ينابيعه ومصادره.

على هذه الجدّيّة تربّى يونان الصوريّ في الحركة وبها سلك. جَرحَه حبّ يسوع الناصريّ، على حدّ تعبير الصحفيّ والكاتب الأخ الصديق جورج ناصيف، فأدرك أنّ قضيّة المسيح تستأهل أن يكرّس لها الكيان كلّه وأن يصرف لها العمر.  وكان طبيعيًّا، بل ومنطقيًّا لمسيرته هذه أن تصل به إلى حيث وصل، أي إلى اكتشاف أنّ الحياة في المسيح هي كلّ شيء، كما يعلّم القدّيس نقولا كباسيلاس، وما عداها لغو، وأنّها، تاليًا، تستحقّ أن يطرح المؤمن عنه كلّ شيء، كلّ اهتمام دنيويّ، ليظفر بها. أدرك يونان الصوريّ (طوني) هذا منذ شبابه فسلك مسلك الجدّ. تبتّل للربّ وتكرّس ووطّن النفس على سلوك طرقه فلا تعرف أحدًا سواه. يونان الصوريّ (طوني) لا يعرج بين الفرقتين، بين ما هو للَّه وما هو للبعل. لا يعطي اللَّه من فُتات القلب فقط أو من فراغ الوقت فقط. مرّة سمع ربّه يناديه قائلاً له: »يا بنيّ أعطني قلبك« (أمثال 23: 26)، وكانت هذه المرّة كافية لتجعله يميل أذنه إلى كلام الربّ ويقول له: »تكلّم يا ربّ، فإنّ عبدك يسمع« (1صموئيل 3: 9). تكلّم يا ربّي، فقد كرّست لك القلب والعقل، بل الكيان كلّه.

سيّدي! إذا ما هتفنا لأحدهم، عند سيامته، »مستحقّ«، لا نعني أنّه بات مستوفيًا كامل الشروط التي تؤهّله لأن يكون شمّاسًًا أو كاهنًا أو أسقفًا، ومع ذلك نقول له »مستحقّ«. نقولها على الرجاء، ولأنّنا نكون قد »استقرينا في سيرته وتعليمه« ما يجعلنا نتوسّّم فيه الخير. على هذه الخلفيّة، سيّدي، نهتف لك، من صميم القلب، »مستحقّ، مستحقّ، مستحقّ«. نهتف لك ونحن عالمون، وأنت بالطبع عالم، أنّ مسيرتك الأسقفيّة لن تخلو من المطبّات وأنّك، في الطريق، لن تكون في منجى من العثار. ستواجه هذه كلّها من دون شكّ. ولكن ثِقْ، فقبل أن تدركك العثرات تكون نعمة اللَّه قد أدركتك وحوّطتك بسياج يحميك ويقيك الزلل. وسترافقك أدعيتنا يومًا فيومًا، وعلى الدوام، »من أجل أن يهبك اللَّه لكنائسه المقدّسة بسلام، صحيحًا، مكرّمًا، معافى، مديد الأيّام، قاطعًا باستقامة كلمة حقّه«. ألا وفّقك الربّ، وسلّحك بالصبر، وأيّدك بالمحبّة والحكمة ترعى بهما كنيسته التي في زحلة وتسير بها إلى ينابيع الخلاص. هكذا يتعالى اسمه ويتمجّد، ليس في أبرشيّة زحلة وحسب، بل وفي أنطاكية قاطبة. كان اللَّه معك آبًا وابنًا وروحًا قدسًًا، وجعل سنيك عديدة.l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search