الزواج فضائل
الأب إيليّا متري
لو كنت أعلم أنّ الحروف يمكن أن تدمع، لَما وفّرت حرفًا من دون أن أرجوه أن يُغرق سطوري بمائه! ما حاجتي إلى صفحات مبلّلة؟ لأرثي، جهارًا، الإخوة المتزوّجين الذين طردوا اللَّه من قلوبهم!
مرّةً، سمعت شيخًا، في كنيستنا، يقول: »المقدَّسون هم الذين يعرفون أن يتزوّجوا«. وَقَبْلَ أن ينهي قوله، أجال ناظريه بالحضور، وأضاف بثقة ضجّت بالقاعة التي كنّا فيها: »وحدهم«. كنت فتًى في التزامي حياة كنيستنا. وصعب عليَّ أن أفهم معنى هذا الحصر الواثق، أو أن أبيّن، بصوت واثق، ما شعرت به. كنت أصغي جيّدًا. وانتابني ذلك الشعور الذي يعرفه كلّ فتًى في الالتزام يحسب أنّه، لكونه قد التزم، بات بمقدوره أن يناقش العالم كلّه! في تلك الجلسة، لم أفتح فمي، طبعًا! لكنّ ربّ الأيّام لم يتركني على جهلي. أجل، كرّمني ربّنا بأن أتوب إلى أنّ ذلك الشيخ كان على ألف حقّ. فالزواج هو، فعلاً، أناس يحيون معًا يجمعهم إدراك أنّ الحياة لا تصحّ إن لم نخصّص حياتنا كلّها للَّه، أي الزواج كلّه فضائل، كلّه كلّه!
هذا، يمكنني أن أعرف أنّه أمر يصعب على غير الذين جرحتهم محبّة اللَّه أن يقتنعوا به. فالكلام على الفضائل إنشاء إن لم تكن هذه المحبّة أساسه ومداه! هل أعني أنّ الناس لم يرتضوا كلّهم أن تجرحهم محبّة اللَّه؟ للأسف، هذا عمق مشاكلنا! الناس معظمهم قد نحروا أحاسيسهم، أو إن أردت أن أبيّن انتحارهم بكلمات أخرى، لقلت إنّهم، بمعظمهم، يخالون أنّ الحياة، من دون اللَّه، ممكنة! من أين تنبت الأفكار الغبيّة؟ يُخرجها شرّ الإهمال الذي يعني، كنسيًّا، أن نبتعد عن الحياة في المسيح، أو أن نضع لحياتنا معًا قواعد بعضها يلتقي بما يرضي اللَّه وأخرى تبتعد. أي، مثلاً، أن نعتقد أنّ حياتنا الزوجيّة تقوم على توافقنا فكريًّا وعاطفيًّا فحسب. هذا، من دون أن نخفّف من أهمّيّة توافقاتنا المشروعة، إنّما يكون إن جمعنا، في قلوبنا، بين يسوع وكنيسته. فثمّة مسيحيّون كثيرون، كثيرون كثيرون، يعتقدون أنّ محبّة الربّ تقوم على أنقاض الالتزام الكنسيّ، أي معظمهم يحسبون أنّهم يحبّون اللَّه »أكثر من هؤلاء« (يوحنّا 21: 15)! واللَّه شاء أن نحبّه في هؤلاء، أي في شركة الكنيسة التي الروح القدس يقودنا فيها إليه.
تعرف أدراج المحاكم الروحيّة عدد دعاوى الخلافات الزوجيّة الموجودة فيها. ولكن، ما من أحد، غير اللَّه، يعرف عدد الأزواج الذين حياتهم معًا عرجاء أو مفلوجة كلّيًّا! وبات معلومًا أنّ ثمّة زيجات، كثيرة كثيرة أيضًا، تستمرّ، عرجاء أو مفلوجة، بقرار يأخذه الزوجان: نبقى معًا، إنّما كلّ منّا يحيا على هواه. وعمومًا، هذا القرار يثبّته، مدّةً تقصر أو تطول، الخوف على الأولاد. أجل، فالأزواج، الذين لا يفهمون شيئًا من الحياة الزوجيّة، هم على علم بأنّ سلامة الولد، (الجسديّة والنفسيّة)، تفترض أن يحيا في بيت فيه أب وأمّ (متوافقان حقًّا، لا ظاهريًّا). ولا أشجّع أحدًا على أن يترك بيته إن قلت إنّ استغباء الطفل أغبى موقف ممكن في الأرض. فالطفل، وإن كان أبواه يتقنان التمثيل كثيرًا، قادر على أن يلتقط حقيقة وضعيهما من نظرة أيّ منهما، أو صوته، أو أقواله، أو نحنحته، أو حتّى نفَسِه أو طريقته في المشي. فهذه كلّها، أو أيّ منها، إن كنت متوتّرًا، تكون على شكل، وإن كنت في سلام، تكون على شكل آخر.
أمّا الزواج الحقّ، فتربية يبدأُها الربّ معنا منذ أن نخرج من بطون أمّهاتنا. اليوم، بعض دور المطرانيّات أخذت تقيم دوراتٍ ثابتةً تعدّ فيها المقبلين على الزواج. هذه الدورات كلُّنا يمكننا أن نعلم بأنّ إهمالنا أنّنا أعضاء في كنيسة اللَّه، أي إهمالنا أنّ اللَّه مربّينا في هذه الحياة، هو الذي جعلها تقوم. وفيما اشتداد الإهمال يلزمنا أن نرى هذه الدورات ضرورةً مُلحّة، أودّ أن أؤكّد أنّ أخطر ما يهدّد حياتنا في المسيح أن نجعل لها أطرًا مرحليّةً تنتهي بانتهائها. الزواج، إن أردناه يوافق الله، إطاره أن نحيا للَّه. وهذا، في زماننا اليوم، يفترض، لزامًا، أن نوسّع له، أي للَّه، المكان كلّه في قلبنا. هل تراني أهوّن على نفسي حلّ مشكلة لا يُرى، في المدى المنظور، أنّ لها حلاًّ؟ لا، بل أعلن إيماني باللَّه القادر على صنع العجائب دائمًا.
لنأخذ، مثلاً، شخصًا متزوّجًا يؤمن باللَّه حقًّا. حقًّا، أي فعلاً وليس لفظًا. هذا، إن اختلف هو زوجته، كيف تراه يتعاطى خلافهما؟ في العالم، معظم الناس، إن اختلفوا، ترى أنّ كلاًّ منهم ينظر إلى أخطاء الآخر بتعالٍ نافر. أمّا المؤمن، المؤمن الحقّ، فلا يأتي من العالم، بل من اللَّه الذي يريده أنقى. أجل، المؤمن ينظر إلى خطاياه الشخصيّة. هل يعني أنّ دعوته أن يعمى عن خطايا سواه؟ لا، بل إنّه، فيما يقرّ بنقصه ومحدوديّته، يرى إلى الآخر من إقراره عينه. فإصلاح الآخرين لا يتمّ على سوى قاعدة أنّنا كلّنا تحت قضاء اللَّه. والمؤمن الحقّ، تاليًا، إن اختلف وزوجه، لا يختزله في موقف خلافيّ، بل يبقى يعلّي أنّه يحبّه، أي تبقى ذاكرته تنبض بكلّ جمال وخير وحقّ يعرفه فيه. فالحياة لا تقوم إن اعتقدنا أنّ على الآخرين أن يكونوا كاملين من بطون أمّهاتهم، بل إن سعينا معًا إلى أن نكمل معًا. هذا معنى أنّنا نحيا بنعمة اللَّه المخلّصة. فالنعمة، التي يفيد معناها المجّانيّة، تفيد، أيضًا، أنّ اللَّه، الذي خلقنا على صورته لنكون على مثاله، وإن أدرنا جميعنا له أظهرنا، لا يمكن أن يتنازل عن دعمنا. فإرادته أبدًا أن نكون، ونكون أفضل.
ليس صحيحًا أنّ ثمّة مسيحيّين يعتقدون بأنّ الزواج يمكن فكّـه في هذه الحيـاة، وآخرين لا يعتقدون بفكّه. كلّنا نرى إلى أنّ الزواج واحد. وكلّنا نبكي على مَن لا يعطي مسيح اللَّه قلبه.l