النبيّ حزقيال
خلفيّة تاريخيّة
المطران سابا إسبر
يقسم هذا المقال إلى ثلاثة أجزاء ويُنشر تباعًا:
١- لمحة تاريخيّة
٢- رسالة النبيّ حزقيال قبل سقوط أورشليم
٣- رسالة النبيّ حزقيال بعد سقوط أورشليم
١- لمحة تاريخيّة
استلم الأمبراطور البابليّ »نبوخذنصّر« الحكم في العام 601 ق م، بعد معركة كركميش. واجتاح جيشه المنطقة حتّى وصل إلى تخوم مصر. أنهكت المعارك الجيش فعاد إلى بابل. استغلّ »يهواكيم«، ملك يهوذا، الوضع وحاول التمرّد والاستقلال، ورفض دفع الجزية لبابل. فحرّض »نبوخذنصّر« الأمم المحيطة بيهوذا ضدّها. مات »يهواكيم« في تلك الفترة، وخَلَفَه ابنه »يهواكين« الذي سار على خطى أبيه. فجنَّد »نبوخذنصَّر« حملةً على يهوذا، وتغلَّب عليها ودخل أورشليم. ثبَّت حكمه في أورشليم، وأخذ كنوز الهيكل إلى بابل، وسبى عددًا كبيرًا من قادة الشعب ونخبته وأعيانه، وكان النبيّ حزقيال من بينهم. أخذ »نبوخذنصَّر« الملك »يهواكين« إلى بابل، ونصّب محلّه أخاه »صدقيّا« ملكًا على يهوذا.
قامت سياسة البابليّين على سبي القسم الأهمّ من الشعب المغلوب، من علماء وكتبة ومثقّفين وحرفيّين...، ونقلهم إلى بابل، وترك القسم الأفقر والأكثر جهلاً في الأرض المحتلَّة.
حاول ملك جديد، في مصر، تشجيع دويلات المنطقة على الثورة ضدّ بابل، وأرسل رسولاً إلى الملك »صدقيّا«. اعترض النبيّ إرميا على التحالف مع مصر، وذهب في موقفه إلى القول بأنّ إرادة الله تطلب الانصياع إلى بابل، ودعى »نبوخذنصَّر« خادم يهوه (27: ٦- ٧). ونصح »صدقيّا« بالخضوع لبابل كي يحيا، واعترض على أقوال الأنبياء الكذبة الذين كانوا ينادون بدعم التمرّد.
لم ينصع »صدقيّا« للتمرّد في البدء السنة 594، ولكن في العام 588 جهّز ملك جديد لمصر جيشًا لمحاربة بابل. إذ ذاك زحف »نبوخذنصَّر« بجيشه، وحاصر أورشليم ثانية. دخل جنوده المدينة وحرقوها، ودمّروا الهيكل، وقادوا كثيرين إلى السبي، وتركوا الأكثر فقرًا للاعتناء بالأرض. أمّا »صدقيّا«، فاقتادوه إلى بابل، بعدما قتلوا أبناءه أمام عينيه اللتين قُلعتا بعد ذلك.
جدير بالذكر أنّ »صدقيّا« استرضى يهوه، عندما صار الخطر شديدًا، بتطبيق أحد بنود الشريعة الذي يأمر بتحرير العبيد العبرانيّين. ولكنّ هذا الإصلاح لم يكن صادقًا، لأنّه بمجرّد أن لاح الجيش المصريّ في الأفق وشعر الناس أنّ نصر المصريّين قريب، عادوا فاستعبدوا العبيد المحرَّرين ثانية.
الحياة تحت الاحتلال
مع أنّ حزقيال رأى إلى إعادة الوحدة لبني إسرائيل (الشماليّ والجنوبيّ) إلاّ أنّ حلمه هذا لم يتحقّق. فبقايا المملكة الشماليّة (عُرفوا لاحقًا بالسامريّين) وأحفاد مملكة يهوذا انقسموا دينيًّا بشكل عميق. يقول العهد الجديد إنّ »اليهود لا يخالطون السامريّين« (يوحنّا ٤: ٩). ادّعى اليهود أنّهم »إسرائيل« الحقيقيّ، واستعملوا كلمة (إسرائيل) لا بمعنى سياسيّ، بل بمعناه الدينيّ القديم، أي »شعب العهد«.
وشاع استخدام عبارة »إيمان إسرائيل«، لأنّ النفي شكّل علامة بدء فصل جديد كامل في تاريخ إيمان إسرائيل.
بحسب نبوءة إرميا (٥٢: ٢٨- ٣٠)، فإنّ مستقبل شعب العهد لا يكمن في البقيّة التي بقيت في أورشليم. إذ كانت فقيرة وضعيفة جدًّا لأنّ »نبوخذنصَّر« ترك الضعفاء والجهلاء في الأرض، وأخذ إلى بابل المهنيّين والمثقّفين، وبعمله هذا قضى على إمكانيّة انبعاث قوميّ جديد لدى الشعب. وتُظهر الاكتشافات الأثريّة أنّ المدن، التي كانت محصّنة، صارت خرابًا في تلك الفترة، وأنّ الأرض أُهملت وتراجع خصبها.
وانقسمت يهوذا السابقة إلى قسمين، واحد يعود إلى مقاطعة السامرة البابليّة، والآخر امتصّه الأدوميّون الذين خرجوا من مسقط رأسهم في جنوب شرق البحر الميت إلى مقربة من منطقة حبرون. أمّا الذين استفادوا من أوضاع التسامح السياسيّ والاقتصاديّ، فقد هاجروا بشكل متزايد إلى مصر، ليبدأوا حياة جديدة. وبقي عمّال قليلون فقط بين أطلال أورشليم.
التأقلم (التكيّف) في البيئة البابليّة
لم تكن أوضاع المنفيّين في بابل سيّئة جدًّا. فكلام حزقيال يدلّ على أنّهم أُعطوا حرّيّة اجتماعيّة واقتصاديّة. وكان وضعهم، مقابلة مع يهود »الغيتوات« ومعسكرات الاعتقال في القرن العشرين، أفضل بكثير. وكانت لهم حرّيّة الإقامة في المدن واختيار نوعيّة الحياة التي يريدونها.
المشكلة، التي واجهوها، كانت مشكلة الإيمان. إذ ارتبط إيمانهم بأرض فلسطين ومعبد أورشليم حيث مجد »يهوه«. فصاروا ممزَّقين لبعدهم عن مركز إيمانهم وعبادتهم وتائهين وسط الثقافة البابليّة. فالأرض زراعتها أوفر، والصناعة متقدّمة، ومعابد بابل أفخم بما لا يقاس من معبد أورشليم الذي وطئته أقدام جنود »نبوخذنصَّر«. دُهش المنفيّون من عظمة الثقافة البابليّة ورقيّها. وتساءل الكثيرون منهم أمام هذه العظمة حول أفضليّة الدين البابليّ على إيمانهم التقليديّ.
كانوا يؤمنون بأنّ سيادة يهوه ممتدّة على أرض فلسطين، فكيف يعبدونه في أرض غريبة لها آلهتها الخاصّة؟ وتساءلوا كيف يسمعهم يهوه وهم بعيدون عن مسكنه كثيرًا. يعكس المزمور 137 بخاصّة الآيات (7- 9) هذه الحيرة التي تولّدت فيهم:
»على أنهار بابل هناك جلسنا، فبكينا أيضًا عندما تذكّرنا صهيون
على الصفصاف في وسطها علّقنا كنّاراتنا.
هناك طلب منّا الذين سبونا أن ننشد له، والذين عذّبونا أن نفرّحهم.
قالوا: »أنشدوا لنا من أناشيد صهيون
كيف ننشد نشيد الربّ في أرض غريبة؟
إن نسيتك يا أورشليم، فلتنسني يميني.
ليلتصق لساني بحنكي إن كنت لا أذكرك، إن كنت لا أعلّي أورشليم على ذروة فرحي« (مزمور ١٣٧: ١- ٦)
العبادة من دون معبد
ككلّ جماعة بسيطة تدخل في ثقافة أرقى منها، أُخذ يهود كثر بتأثيرات الثقافة البابليّة وانساقوا معها متشبّهين ببقيّة السكّان. لكنّ آخرين كانوا أكثر التصاقًا بماضيهم وجماعتهم اليهوديّين. يبدو أنّ إيمان إسرائيل حُفظ، بنقاوة وغيرة عظيمتين، في المنفى البابليّ مقابلة مع ما حصل في المنفى المصريّ.
لقد عبّد الأنبياء الكبار الطريق أمام تعبير جديد لإيمان إسرائيل، عبر تشديدهم على أنّ يهوه ليس مرتبطًا بمعبد أورشليم. فإرميا النبيّ يشدّد، في رسالته إلى المنفيّين، على أنّه حتّى في الأرض البعيدة حيث لا يوجد معبد يهوه، فإنّ الشعب يستطيع أن يتواصل مع اللَّه بالصلاة (إرميا ٢٩: ١٢- ١٤). وشاهد حزقيال رؤيا يهوه يأتي على عرشه إلى المنفى، وفي مقطع من تثنية الاشتراع، كُتب في المنفى أو قبله بقليل، نقرأ:
»ويشتّتكم الربّ في ما بين الأمم حتّى تبقوا جماعة معدودة في الأمم الذين يسوقكم الربّ إليهم،
وتعبدون هناك آلهة صنعتها أيدي البشر من خشب وحجر، ممّا لا يرى ولا يسمع ولا يأكل ولا يشمّ.
وتطلبون هناك الربّ إلهكم فتجدونه إذا التمستموه بكلّ قلوبكم وكلّ نفوسكم« (تثنية الاشتراع ٤: ٢٧- ٢٩).
تحقّق الشعب، إذًا، من أنّه يستطيع أن يتّجه إلى اللَّه أينما كان في المنفى، يتّجه إليه واثقًا بأنّه قريب، وأنّه هو مقدّسهم في أرض غربة (مزمور ١٣٧: ٤). من دون شكّ في أنّ عددًا من الصلوات الموجودة الآن في كتاب المزامير قد ألّفها، خلال النفي، أشخاص مجهولون، مثل داود الذي يصرخ إلى يهوه في اعترافاته »من الأعماق« (مزمور١٣٠: ١). وعلى الأغلب أنّ مؤسّّسة المجامع (الكُنُس) نشأت منذ ذلك الوقت، لتؤلّف مجموعات صغيرة من اليهود للتعبّد والتعليم، وقد نشأت نتيجة الحاجة إلى جمع الشعب المشتَّت على مدى بلاد الانتشار.
رسالة حزقيال
يقوم حزقيال بدور مهمّ في تدبير اللَّه الخلاصيّ وتدرُّج انكشاف اللَّه لشعبه، حتّى إنّه يفصل بين مرحلتين. ففي التشديد على عالميّة اللَّه يعلن حزقيال، بوضوح كامل، أنّ اللَّه هو الإله الأوحد لجميع الشعوب وليس لشعب مخصَّص بعينه. كما أنَّ عالميّة اللَّه هذه تحرّره من الارتباط بمكان واحد (الهيكل أو أورشليم)، ولأنّه إله العالم يتنقّل بحرّيّته في كلّ مكان ويوجد أينما يريد. كذلك في تشديده على وحدانيّة المُلك للَّه، يرفض المَلَكيّة كلّيًّا، يؤسّّس لمستقبل يصير فيه شعب اللَّه واحدًا يحكمه اللَّه، وأورشليم ذاتها تصبح، كما يدلّ اسمها الذي يطلقه عليها حزقيال، »يهوه شام: اللَّه هنا«. يعلن حزقيال زوال النظام القديم وبدء نظام جديد. وتعني كلمة »النظام« هنا الذهنيّة التي على أساسها يقرأ الشعب تاريخه، ويعرف إلهه، وينظر إلى مستقبله.
دعوة حزقيال
كان وضع المسبيّين جيّدًا نسبيًّا، إذ كانوا يقومون بأعمال ويتقاضون عليها أجرًا. تمتّع المسبيّون بحرّيّة ممارسة دينهم، والعيش معًا في تجمّعات ضمن المدن البابليّة، وتطوير أوضاعهم الاقتصاديّة. أمّا النبيّ حزقيال، فكان يملك بيتًا خاصًّا به (٣: ٢٤) يزوره فيه الشيوخ من حين إلى آخر.
بدهيّ أن يسمع المسبيّون نصيحة إرميا، ويبنوا بيوتًا، ويغرسوا أشجارًا، ويرّبوا عائلاتهم (إرميا ٢٩: ٥- ٧). عاشوا حياة هانئة، وكثيرون منهم لم يعودوا ثانية إلى وطنهم.
تسلّم حزقيال النبوءة بشكل دُرج أكله، فصار طعمه حلوًا في فمه على عكس إشعياء وإرميا اللذين هالتهما النبوءة في بادئ الأمر.
تلقّى حزقيال دعوة، ليصير نبيًّا بعد رؤيا غير مألوفة، وذلك في السنة الخامسة من السبي. قال: »انفتحت السموات ونزلت عليَّ رؤيا من اللَّه« (١: ١). هذا ثبّت إيمانه بأنّ »يد الربّ عليه« (١: ٣). وكان عمره 30 سنة (١: ١).
رأى حزقيال مركبة اللَّه السماويّة تقترب إليه من الشمال في ريح عاصفة ترافقها سحابة عظيمة مُحاطة بهالة من الضوء، وفي البرق كان ما يشبه النحاس اللامع (١: ٤). ورأى ضمن العاصفة مركبة تحملها أربعة كائنات غريبة، نعرف من الإصحاح (١٠: ١٨- ٢٢) أنّها ملائكة الشيروبيم. يصفها النبيّ بأنّ لها أربعة وجوه وأربعة أجنحة، ولها شكل نصف إنسان ونصف حيوان، وتشابه صورة مألوفة في بابل، كلّ منها في تناغم تامّ مع الأخرى لأنّ الروح الإلهيّ يسيّرها جميعًا. مع الشيروبيم دواليب لامعة، دولاب بجانب كلّ منها، »دولاب ضمن دولاب« (1: 16)، منظرها وكأنّها مرتبطة بالكائنات الأربعة. ويصف سيرها بطريقة غريبة فيقول: »إلى حيث يشاء الروح كانت تسير هذه الكائنات، والدواليب ترتفع معها، لأنّ روح هذه الكائنات كانت في الدواليب« (١: ٢٠).
شاهد النبيّ يهوه، في هذه الرؤيا الخلاّبة، جالسًا على عرشه السامي في لمعان مبهر أو »مجد«.
تصوير رؤيا المركبة الناريّة وعظمة اللَّه متأثّر بالتقليد العبرانيّ والثقافة البابليّة. ففي التقليد العبرانيّ كان تابوت العهد (حيث رمز اللَّه) يسكن في الهيكل، في قسم قدس الأقداس، ويغطّيه جناحا كروبين (نوع من الملائكة).
يجب أن نفهم الصورة لا أن نتخيّلها. لا يمكن أن نتخيّل شكل المركبة الإلهيّة التي يراها النبيّ، لأنّ كلّ تصوّر أو تخيّل للَّه هو ناقص وفاشل، ويشوّه المعنى اللاهوتيّ المقصود، فمجد اللَّه يفوق تصوّر البشر بشكل لانهائيّ.
رؤيا حزقيال للربّ في مجده العظيم، آتيًا على مركبة ناريّة إلى بابل، يعني أنّ اللَّه موجود في كلّ مكان، وأنّه ليس محصورًا في هيكل أورشليم. كما يعني أنّه غير مقيَّد ولا محصور بجغرافيا محدَّدة. إنَّه يجوب الأرض على مركبته ويصل حتّى إلى المسبيّين حيث ذروة مجد بابل، لأنّه سيعلّمهم أنّه هو إله جميع الشعوب، وأنّ الكلّ في قبضته، وهو يسيّرها جميعًا. مسكن اللَّه الوحيد، إن أردنا بتعابيرنا البشريّة أن نعطيه مسكنًا، هو تلك العربة المتحرّكة الموجودة في كلّ مكان. لقد أكل حزقيال الدرج، أي كلمة اللَّه، فغدا اللَّه فيه، وصار بدوره مسكنًا للَّه. وهكذا صار الهيكل ومعه أورشليم أحد الأمكنة التي يزورها اللَّه، وليس المكان الوحيد الذي ينحصر به.
لنتذكّر أنّ الشعب لم يكن يعي، حتّى ذلك الوقت، أنّ إلهه هو إله السماء والأرض وكلّ ما فيهما. ولنتذكّر المزمور الذي يبكي الشعب فيه إذ يتساءل: »كيف يرنّم للربّ في أرض غربة«. فبحسب مفهومهم، لا يستطيع اللَّه أن يسمعهم لأنّه بعيد جدًّا عنهم، إذ يسكن في هيكل أورشليم. نتذكّر هنا أن خطّة اللَّه التربويّة للبشريّة كلّفته وقتًا طويلاً كي يستطيع أن يرقّي البشر من أجل أن يستطيعوا فهمه كما هو لا كما تزيّن لهم أهواؤهم.
ورأى النبيّ »على شبه العرش شبه كمنظر إنسان عليه من فوق«.
صُعق حزقيال من مجد اللَّه الذي رأى فيه مسافة لانهائيّة تفصل اللَّه القدّوس عن الإنسان الفاني، فسقط على وجهه ساجدًا. ولمّا دخل فيه الروح، انتصب على رجليه ليتلقّى أمر اللَّه: عليه أن يكلّم »أمّة متمرّدة«، »شعبًا عنيدًا وقاسيًا«، يتمرّد ضدّ سيادة يهوه منذ بدء تكوّنه. دوره أن يكون »رقيبًا على بيت إسرائيل«، لينذرهم، باسم اللَّه، بالكارثة الآتية عليهم. ومع أنّ الأمل ضئيل يتجاوبهم مع إنذار النبيّ (٣٣: ١- ٩)، إلاّ أنّه عليهم أن يعرفوا أنّ النبيّ في وسطهم، سواء سمعوا واستجابوا أو رفضوا.
تمتدّ يد اللَّه في الرؤيا، لتعطي النبيّ درجًا ليأكله. إنّه رسالة اللَّه التي سيحملها النبيّ إلى شعبه. يكون طعم الدرج في فم النبيّ حلوًا (٢: ٩- ١٠، ٣: ١- ٣)، ما يعني أنّه يقبل الرسالة ويرتضي حملها، مع معرفته بأنّه سيوجّهها إلى شعب يسكن في ما بينه كما بين »العقارب« (٢: ٦). مجد اللَّه المهول جعل النبيّ في ذهول لسبعة أيّام.
شدّد حزقيال على خطايا إسرائيل وآثامه، لا كالقاضي الذي يصدر الحكم على متَّهم، بل كالذي يعبِّر عن رغبته الشديدة في إصلاح شعبه مستعملاً كلّ وسيلة ممكنة، علّهم يعون ما هم عليه من الإثم.
تمتدّ رواية الدعوة إلى الفصلين الثاني والثالث، وتذكّرنا بدعوة إشعياء (٦: ٩- ١٣) التي لن تُسمع، ودعوة إرميا الخائف (١: ١٧- ١٨).
رسالته
نادى النبيّ برسالته على مرحلتين، قبل دمار أورشليم وبعده. تمتدّ المرحلة الأولى على عشر سنوات، بدءًا بممارسة النبوءة 597 وحتّى سقوط أورشليم ودمار الهيكل السنة 587. وفيها يلوم شعب اللَّه وشعوب الأمم، وينذره بالويل القادم، علّه يتوب فيغيّر اللَّه ما قرّره. إنّه نداء مرتعب من هول الكارثة التي ستحصل بسبب معاصي الشعب وآثامه. عبثًا نادى النبيّ ولم يسمع أحد له، بل وضعوا رجاءهم في مصر كي تخلّصهم من بابل. خطيئة إسرائيل هي هي. إنّها تضع رجاءها في الأمم الأخرى وليس في اللَّه. إنّها خطيئة البشر الذين يعتمدون، في حلّ مشاكلهم، على أمور دنيويّة، فيبتعدون عن اللَّه الحيّ، ويحيون اسميًّا له بينما قلوبهم وعقولهم منشغلة في ما يضادّ إلههم. يؤدّب اللَّه ويسمح بالضيقات، لكي يطهّر رعيّته وينقّيها، كما يتنقّى الذهب في البوتقة.
يمكن تقسيم كتاب حزقيال كالتالي:
قبل سقوط أورشليم (593-587) ق.م.
١- مشاهدة الرؤيا وتلقّي الدعوة (الإصحاحات 1- 3).
٢- أحاديث حول دمار يهوذا وأورشليم (الإصحاحات 4- 24).
٣- أحاديث ضدّ الأمم المجاورة (الإصحاحات 25- 32).
بعد سقوط أورشليم: (587-573) ق. م.
٤- أحاديث الرجاء والوعد والحياة الجديدة (الإصحاحات 33- 39).
٥- أحاديث حول أورشليم الجديدة (الإصحاحات 40- 48).
وفيها تتغير لهجة النبيّ، وينقلب وعظه إلى رجاء بدل الإنذار. فبعدما فقد الشعب كلّ أمل، ينادي النبيّ بكلمة اللَّه التي تُحيي وتخلق من جديد، ويُحيي في شعبه الرجاء بأورشليم الجديدة التي ستكون بحسب قلب اللَّه. (يتبع) l