2012

07 – تحقيق - روتوندا القدّيىس جاورجيوس - لولو صيبعة - العدد 3 سنة 2012

 

 

روتوندا القدّيىس جاورجيوس

لولو صيبعة

 

 

تحتضن مدينة تيسالونيكي،  في اليونان، روتوندا القدّيس جاورجيوس، هذا الأثر الفائق الجمال من حيث الهندسة والزخرفة. كنيسة غير كلّ الكنائس، ترتفع في وسط المدينة، يؤمّها المؤمنون والسيّاح، يتأمّلون روعتها. هي أقدم كنيسة في تيسالونيكي، ويدّعي بعض اليونانيّين أنّها أقدم كنيسة مسيحيّة في العالم. إنّها في الواقع أهمّ مثال حيّ عن الكنائس المسيحيّة الأولى في المنطقة الناطقة باللغة اليونانيّة في الأمبراطوريّة الرومانيّة.

كثرت الكنائس المبنيّة على هذا الطراز، بين القرنين التاسع والحادي عشر، في كلّ من هنغاريا والنمسا وبولندا وبوهيميا وكرواتيا وألمانيا وتشيكيا. ويعتقد أنّه نسخة عن البانتيون الرومانيّ. وعادة يكون قياس القطر الداخليّ بين ستّة وتسعة أمتار، في حين تتّجه الحنيّة نحو الشرق. تقع روتوندا القدّيس جاورجيوس على بعد 125 مترًا شمال شرق قوس الأمبراطور غاليريوس.

بعض المحطّات التاريخيّة

أثبتت الدراسات الأثريّة أنّ هذه الروتوندا شكّلت جزءًا من قصر الملك. شيّدها الأمبراطور غاليريوس في العام 300 لتكون ضريحًا له، لكنّ هذا لم يحدث. وتقول رواية أخرى إنّ هذا المبنى كان هيكلاً للإله زوس أو لأحد الآلهة المحلّيّين.

في أواخر القرن الرابع، وبالتحديد في العام390، تحوّل البناء إلى كنيسة بأمر من الأمبراطور قسطنطين، بعد إجراء بعض التعديلات عليه. زيّنت الكنيسة الجديدة بأجمل الفسيفساء على يد أمهر المعلّمين الأوروبّيّين. لم يبق الكثير من هذه الزخرفة بسبب أعمال التخريب التي جرت على أيدي العثمانيّين المحتلّين، وبسبب الزلازل التي ضربت المدينة.

استخدم المبنى ككنيسة أكثر من 1200 سنة، إلى أن وقعت المدينة في قبضة العثمانيّين في العام 1590، إذ حوّلها الغزاة إلى جامع، عرف باسم جامع سليمان أفندي، وأضيفت إليه مئذنة.

في العام 1912 استعاد اليونانيّون مدينة تيسالونيكي من الأتراك، على أثر انتهاء حرب البلقان. وحرص المسؤولون اليونانيّون على ترميم الروتوندا وإعادتها إلى بهائها الأوّل، واستخدامها ككنيسة، لكنّهم تركوا المئذنة مكانها.

في العام 1978 تضرّرت روتوندا القدّيس جاورجيوس بفعل الزلزال الذي ضرب المدينة، لكنّها خضعت للترميم مجدّدًا. حوّلت إلى متحف للفنّ المسيحيّ، وأدرجت على لائحة منظّمة الأونيسكو الخاصّة بالأبنية الأثريّة منذ العام 1988.

يرجّح العلماء أنّها كُرّست أوّلاً على اسم رؤساء الملائكة، لكنّ شفيعها اليوم هو القدّيس جاورجيوس اللابس الظفر، وأطلق عليها الرحالة اسم الروتوندا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بسبب شكلها الدائريّ.

المبنى اليوم تابع لوزارة الثقافة اليونانيّة ولهيئة الآثار البيزنطيّة، رغم أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة اليونانيّة تحاول على الدوام استعادة البناء لإقامة الخدم الدينيّة فيه.

هندسة الروتوندا

- يبلغ قطر الروتوندا  24،5 مترًا.

- سماكة جدرانها ستّة أمتار ونصف المتر، وهذا ما جعلها تصمد أمام الزلازل المتكرّرة التي ضربت تيسالونيكي، رغم الأضرار التي أصابتها.

- رأس القبّة يرتفع ثلاثين مترّا وهي من القرميد.

- في التصميم الأساس كانت القبّة مزوّدة بطاقة أو منفس على شاكلة البانتيون في روما.

- البناء من القرميد، إلاّ أنّنا نلاحظ عوارض رخاميّة على الجدران.

- القسم الأعلى من الروتوندا مغطّى بالفسيفساء.

فسيفساء الروتوندا

بعد أن غدا هذا المبنى كنيسة، زُيّن بأجمل الفسيفساء، التي تعتبر من أروع الأمثلة على الفنّ المسيحيّ في العالم. تقسم هذه المجموعة إلى ثمانية أجزاء تمثّل زخرفة نباتيّة كالأغصان والفاكهة والزهور، إضافة إلى الطيور والرسوم الهندسيّة.

نلاحظ فسيفساء بعض القدّيسين مع أسمائهم وتواريخ أعيادهم ومنهم القدّيس الجنديّ باسيليوس، والقدّيس الجنديّ أوكاربيون.

على القبّة لم يبق سوى فسيفساء المسيح في الوسط وهو يحمل في يده عصا وصليبًا، وأربعة ملائكة.

في تجويف الهيكل، فسيفساء صعود ربّنا إلى السماوات، وترقى تاريخها إلى القرن التاسع الميلاديّ. تضرّرت بفعل مطرقة الأتراك التي شوّهت أوصالها. ومن ملامحها نستطيع مقابلتها مع تلك الموجودة في كاتدرائيّة آيا صوفيا في القسطنطينيّة أي اسطنبول حاليًّا.l

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search